مع وقوع المدينة المنورة بين حرتين، تسميان الحرة الشرقية والحرة الغربية، وتمتد الشرقية منها نحو 300 كلم، وصولا إلى شمال جدة، بينما تقتصر الغربية على حدود ضيقة، لا تتعدى حدود المدينة، كشفت ورقة عمل، قدمتها مجموعة من الأساتذة في جامعة الملك عبدالعزيز، عن أن الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيقية في حرات المدينة، التي قامت بها جامعات محلية وعالمية وجهات ذات صلة، أثبتت أن الحرة الشرقية، المسماة «حرة رهط»، تشتمل على مكامن للطاقة الحرارية الأرضية، أو ما يسمى «الخزان الحراري الأرضي»، على عمق قد يصل إلى 3 كلم، وهذه الخزانات الشرقية الأرضية يمكن أن تُستخدم كمصدر نقي وصديق للبيئة لتوليد الطاقة الكهربائية، أو في التبريد والتدفئة، أو في الزراعة، أو السياحة العلاجية.
مخزون مفيد
خلصت دراسات محلية وعالمية إلى إجراء دراسات مهمة ولازمة، للحد من الخطورة الزلزالية، وإجراء دراسات مكثفة، لتقييم المخزون الحراري الأرضي أسفل شمال «حرة رهط»، ومعرفة مدى إمكانية توليد الكهرباء من ذلك المخزون، بالإضافة إلى ضرورة تنسيق الجهات الحكومية ذات العلاقة مع هيئة المساحة الجيولوجية فيما يخص عدم إزالة الفوهات البركانية حول المدينة المنورة، للحفاظ على المظاهر الجيولوجية المميزة كمعالم تاريخية، يجب الاهتمام بها، والحفاظ عليها كثروة علمية كبيرة تستخدم في الدراسات البركانية، لتحديد التاريخ البركاني للمملكة، وتقييم مخاطره مستقبلا، وتعد ثروة سياحية كبيرة تتفق مع «رؤية المملكة 2030»، من حيث استثمار هذه المناطق كمناطق سياحية.
ورقة أخرى
أشارت ورقة عمل أخرى إلى دراسة النشاط الزلزالي حول المدينة، حيث تعرضت المدينة المنورة لعدد من الهزات الأرضية، سواء هزات تاريخية أو حديثة، ودائما ما تسجل الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي نشاطا زلزاليا حول المدينة، يختلف عمقه حسب موقع حدوثه حول المدينة.
وبيّنت الدراسة أن:
ـ الإجهادات التكونية لإقليمي المحيط بالجزيرة العربية عامة، والمملكة العربية السعودية خاصة، تتسبب في حركة الصدوع الموجودة بالقشرة الأرضية في المملكة، مسببة نشاطا زلزاليا.
ـ نشاط حركة الحمم البركانية أسفل مناطق الحرات حول المدينة يتسبب في إعادة تنشيط الصدوع الموجودة بالقشرة الأرضية في اتجاه حركتها، مسببا حدوث نشاط زلزالي.
ويمكن تفادي خطورة النشاط الزلزالي بالمدينة المنورة، خاصة في مناطق التوسع العمراني الحديث، حيث يلزم اتباع الكود البناء السعودي، الذي وضع الحد الأدنى من الاشتراطات والمتطلبات التي تحقق السلامة والصحة العامة، من خلال الاستقرار وثبات المباني والمنشآت، وسبل الوصول إليها، لحماية الأرواح والممتلكات من الأخطار المرتبطة بالمباني، وكذلك الحد من إنشاء مناطق سكنية جديدة على مسافات قريبة جدا من تلك المناطق النشطة زلزاليا حول المدينة.
ولفت مدير مركز البحوث والدراسات بالمدينة المنورة، الدكتور فهد الوهبي، إلى أن المدينة تحتفظ بخصائصها الطبيعية، من جبال وحرّات وأودية، وتحتضن الكثير من الآثار التاريخية والشواهد الحضارية، وقد مرت بالمدينة أحداث، رصدها المؤرخون، ولا تزال آثارها الجيولوجية باقية حتى اليوم.
أولويات
قال رئيس اللجنة الإشرافية، الدكتور جمال المرعشي، إن الجبال والحرات في المدينة المنورة مركز اهتمام وأولويات الدولة ضمن «رؤية المملكة 2030»، للحفاظ عليها، واستغلالها بشكل يضمن لها الاستدامة مع تحقيق الفائدة منها، وإبراز أهميتها. وعلى ذلك، تم تسجيل جزء من شمال «حرة رهط» كحديقة جيولوجية في «اليونسكو» مؤخرا.
وقد أوصي باحثون مشاركون في ندوة «حرات المدينة المنورة وجبالها: دراسة جيولوجية تاريخية وجغرافية»، التي عقدت في جامعة طيبة، بالتعاون مع مركز دراسات وبحوث المدينة المنورة، بتجنب البناء والتوسع العمراني بالقرب من الصدوع النشطة زلزاليا، والبحث في إيجاد طرق لتغذية الغطاء النباتي بالمياه الجوفية، للاستفادة منها، وإفادة الأجيال المقبلة في مقاومة الجفاف والاحتباس الحراري.
توصيات :
تعاون جميع الجهات المعنية والشركاء في تنمية سياحة الحرات، وتطوير مقاصدها، بما يضمن استدامتها
تحسين العائد الاجتماعي والاقتصادي على المجتمعات المحلية، والحفاظ على تراثهم، والحرص على تقاليدهم
دعم وصون التراث الطبيعي والثقافي في المحميات الطبيعية كمناطق ذات طبيعة خاصة
إجراء الدراسات المهمة واللازمة، للحد من الخطورة الزلزالية
إجراء دراسات مكثفة، لتقييم المخزون الحراري الأرضي أسفل شمال «حرة رهط»
تنسيق الجهات الحكومية ذات العلاقة مع هيئة المساحة الجيولوجية فيما يخص عدم إزالة الفوهات البركانية حول المدينة
عقد المؤتمرات التي تناقش دور البيئة الطبيعية في الأمن البيئي، والكشف عن أصوله التاريخية