المبحث الخامس
البترول كيميائياً
يتداخل عنصرا الكربون والهيدروجين في تكوين جميع المكونات العضوية البترولية، وباتحاد هذين العنصرين تتكون مجموعة ضخمة من المركبات العضوية، تسمى بالهيدروكربونات التي تمثل أكثر من ثلاثة أرباع المكونات البترولية، لذلك فإن الخواص الطبيعية والكيميائية للهيدروكربونات تسود على صفات المكونات الأخرى وخصائصها، والتي تعد أيضاً مشتقات هيدروكربونية لعناصر الأكسيجين والكبريت والنيتروجين. ولا يزال البترول المنبع الأساسي للهيدروكربونات.
أولاً: التصنيف الكيميائي للهيدروكربونات
هناك نوعان أساسيان هما الهيدروكربونات المشبعة Saturated Hydrocarbons، التي تتميز بترابط الكربون فيها عن طريق الروابط الأحادية من نوع سيجما Sigma Bond، والهيدروكربونات غير المشـبعة Unsaturated Hydrocarbons، التي توجد بـها الروابط المضاعفة من نوع باي[1] p (Pi) Bond كالروابط الثنائية والثلاثية.
وطبقا للشكل الجزيئي تصنف الهيدروكربونات إلى أليفاتية Aliphatic، وهذه بدورها إما أن تكون مشبعة أو غير مشبعة، وأروماتية Aromatic، وهي التي تحتوي على الأقل على حلقة سداسية ذات ثلاث روابط ثنائية متبادلة، أو حلقات خماسية أو سـداسية تحتوي كل منها على ستة إلكترونات ثنائية الرابطة من نوع باي p (Pi)-Electrons.
ووفق الشكل الجزيئي أيضاً تنقسم الهيدروكربونات المشبعة إلى البارافينات أو الألكانات، والنافثينات أو الألكانات الحلقية المشبعة. وبوجه عام يعني العاملون في مجال البترول بتقسيم المكونات الهيدروكربونية إلى ثلاث مجموعات رئيسية وهي
ثانياً: البارافينات، والنافثينات، والأروماتيات (اُنظر شكل تصنيف الهيدروكربونات).
تختلف نسبة المجموعات الهيدروكربونية في الخامات البترولية طبقاً لمصدر الإنتاج، وتصنف خامات البترول حسب نسب مكوناته الهيدروكربونية إلى خامات بارافينية ونافثنية وأروماتية. ويقوم البترول اقتصاديا ـ من ناحية إنتاجه للجازولين إلى خفيف ومتوسط وثقيل ـ وفق نسب المقطرات الهيدروكربونية الخفيفة. كذلك تحدد نسب المجموعات الهيدروكربونية المختلفة أغلب مواصفات جودة المنتجات البترولية وقياساتها. ويتناقص عامة المحتوى البارافيني مع ازدياد الوزن الجزيئي للمنتجات البترولية، إذ ترتفع نسبة البارافينات في الجازولين إلى 80% وتنخفض إلى أقل من 30% في زيوت التزييت، وأحيانا تنتج بعض الخامات الأسفلتية زيوت تزييت خالية تماما من الشموع البارافينية.
1. البارافينات Paraffins
تشمل هذه المجموعة الهيدروكربونات ذات السلسلة المستقيمة، والتي تسمى بالألكانات أو البارافينات العادية. وعندما تحتوي السلسلة على أكثر من 18 ذرة كربون، يطلق عليها اسم الشموع البارافينية أو الشموع المعدنية. وقد تحتوي السلسلة المستقيمة على مجموعة ميثيلية CH3 مرتبطة بذرة الكربون الثانية، وحينئذ تسمى بالأيزوبارافينات Iso-Paraffins. وقد تشمل السلسلة الهيدروكربونية مجموعة أو أكثر من المجموعات الألكيلية، المتماثلة أو المختلفة، موزعة على أماكن متفرقة من السلسلة وتسمى البارافينات المتفرعة. وهـذه المجموعة من الهيدروكربونات تتخـذ الصيغة الجزيئية Cn H2n+ 2 . وتتواجد البارافينات العادية في معظم الخامات البترولية، حتى الأسفلتية منها ولو بنسب صغيرة، وحتى في المخلفات Residues. وتتناقص نسبة البارافينات العادية كلما ازداد مدى غليان المنتجات البترولية.
كذلك تقل نسبة البارافينات المتفرعة مع ازدياد الوزن الجزئيي للمنتجات البترولية، وتزداد نسبة الأيزوبارافينات على نسبة المتفرعات الأخرى من السلسلة الخطية.
والبارافينات تتكون نتيجة ارتباط ذرات الكربون مع بعضها، ومع الهيدروجين بروابط تساهمية أحادية ذات طاقة تكوين عالية، في حدود 80 - 104 ألف سعر حراري، ولهذا تتميز البارافينات بدرجة ثبات حرارية عالية. والميثان CH4 هو أبسط البارافينات، ويتخذ في تركيبه الجزيئي الشكل الهرمي الرباعي، حيث يوجد الكربون في مركز الهرم الرباعي، وتتجه الروابط ناحية أركانه الأربعة. ويمكننا تمثيل الميثان والبارافينات بصفة عامة بصيغة الروابط " أ " أو الصيغة الإلكترونية "ب" أو الهرمية "جـ" أو الجزيئية " د " كالآتي:
وتوجد ثلاثة أنواع من البارافينات في شـكل تركيبي واحد وهي الميثان CH4، والإيثان CH3-CH3 والبروبان CH3-CH2-CH3، أما البيوتان C4H10 وButane فقد يتخذ شكل السلسلة المستقيمة وهو البيوتان العادي، أو الشكل المتفرع وهو الأيزوبيوتان كالآتي:
ومع زيادة المحتوى الكربوني للبارافينات تزداد الأشكال فنجد خمسة أشكال للهكسان C6H14، وتسعة للهبتان C7H16 وثمانية عشر شكلاً للأوكتان C8H18.
وتسمى البارافينات المستقيمة السلسلة المحتوية على خمس ذرات كربون فأكثر بإضافة المقطع ane إلى المقاطع الإغريقية الدالة على عدد ذرات الكربون مثل الهبتان CH3-(CH2)5-CH3 والدوديكان CH3-(CH2)10-CH3 والأوكتاديكان CH3-(CH2)16-CH3.
وفي البارافينات المتفرعة، يشتق اسم المجموعة الألكيلية من الألكان بحذف المقطع ane وإضافة المقطع yl مثل المـيثان --CH3، والإيثان والإيثيل --CH3-CH2، والبروبان
وتتدرج الصفات الطبيعية للبارافينات بصورة شبه منظمة مع الزيادة في المحتوى الكربوني أو الوزن، فتزداد درجة الغليان والانصهار والكثافة مع زيادة عدد ذرات الكربون في الجزيئات البارافينية[2] وباستثناء البارافينات الصغيرة تزداد درجة الغليان بمعدل 20-30 درجة مئوية لكل إضافة ذرة من ذرات الكربون. وتوجد البارافينات المحتوية على أربع ذرات من الكربون فأقل في شكل غاز، والمحتوية على خمس إلى سبع عشرة ذرة كربون كسوائل في شكل سائل، والمحتوية على أكثر من ثماني عشرة ذرة كربون جامدة عند درجات الحرارة والضغط في الأحوال الجوية العادية وهي 25°م، 760 ملليمتر زئبق. ويستفاد من ذلك في فصل الشموع البارافينية من المنتجات البترولية عن طريق تبريدها، أو إضافة بعض الهيدروكربونات الخفيفة إليها ثم تبريدها.
وتراوح كثافة البارافينات السائلة عند درجة الحرارة العادية من 0.6 إلى 0.8 جرام/ مللي لتر، كما تزداد بزيادة المحتوى الكربوني، وللكثافة دورها المهم في التعامل الحجمي والوزني للخامات البترولية ومنتجاتها. وتعد البارافينات من المذيبات العضوية غير المستقطبة، وهي تمتزج مع المذيبات العضوية مثل البنزين والإيثر، والكلوروفورم. وتزداد لزوجة البارافينات مع زيادة الوزن الجزيئي، ولزوجة البارافينات العادية أعلى نسبيا عن البارافينات المتفرعة، وهو عامل مهم يؤثر على سيولة المنتجات البترولية ودفعها وضخها.
وبالنسبة للخصائص الكيميائية للبارافينات فإن روابط سيجما تتميز بثباتها الحراري وقلة نشاطها الكيميائي. والبارافينات لا تتفاعل مع الأحماض غير العضوية مثل حامض الكبريتيك، أو الهيدروكلوريك، والنيتريك، ولكنها تتفاعل مع الأحماض فوق العالية مثل حمض الفلوروسلفونيك. وتتعرض البرافينات لبعض التفاعلات البيولوجية؛ حيث تتغذى عليها بعض الخمائر Yeasts حيث تنتج بعض الأحماض الدهنية والبروتينات.
ولا تتأكسد البارافينات بعوامل الأكسدة الشائعة مثل برمنجنات البوتاسيوم، أو ثنائي كرومات الصوديوم، بل تتأكسد بالهالوجينات تحت ظروف معينة من الضوء والحرارة. كما تتحد البارافينات مع الأكسجين في وجود شرارة لبدء التفاعل وبشرط تنظيم الاحتراق.
وأهم تفاعلات البارافينات هي تفاعلات الاحتراق والتكسير والهلجنة، وتؤدي تفاعلات الاحتراق إلى طرد الحرارة، ويتطلب استمرارها توفر الخامات البترولية أو منتجاتها في الحالة الغازية، والأكسجين متمثلا في الهواء، والشعلة سواء في بدء الاشتعال، أم الناتجة عن استمرار الاحتراق، والوصول إلى درجة الوميض التي تتكون عندها كمية مناسبة من الأبخرة فوق سطح السوائل الهيدروكربونية لبدء الاشتعال. وتبدأ تفاعلات الاحتراق بإنتزاع جذور حرة هيدروجينية من البارافينات بواسطة الأكسجين، لتكوين جزئ الهيدروبروكسيد HO-OH الذي يتكسر بدوره إلى OH2، ويستمر انتزاع الجذور الهيدروجينية الحرة لتكوين الماء.
وقد أدى التحكم المنتظم في احتراق الهيدروكربونات إلى اختراع آلات الاحتراق الداخلي، المستخدمة في معظم وسائل النقل. وقد أمكن تحسين أداء السيارات الحديثة باستعمال نسبة تضاغطية عالية من الهواء إلى الوقود في المحركات، ولكن بقيت حل مشكلة الاحتراق غير المنتظم وغير الكامل لبعض المكونات البارافينية للجازولين، ما يتطلب الاختيار الانتقائي للبارافينات ذات المحتوى الكربوني المنخفض في مقطر الجازولين، واستخدام الإضافات المحسنة للاحتراق مثل رابع ايثيلات الرصاص.
وفي تفاعلات التكسير الحراري ينتج عن تكسير البارافينات هيدروكربونات أقل في الوزن الجزيئي من المتفاعلات، وتتميز نواتج التكسير باحتوائها على روابط مضاعفة حتى في النواتج الغازية، كما تتحد الجذور الحرة الناتجة بالهيدروجين مكونة بارافينات مشبعة. وأحيانا تستخدم الحفازات الحمضية لتكسير البارافينات عند درجات حرارة أقل نسبيا، كما تتم عمليات التكسير الحفزي في وجود الهيدروجين للحصول على نواتج تكسير مشبعة. وتكسر البارافينات في الحالة السائلة أو البخارية، وقد يستخدم بخار الماء المسخن بدرجة عالية لتكسير النافثا.
وتعد تفاعلات الهلجنة، وبخاصة الكلورة، من أهم طرق الحصول على الكيماويات البترولية الوسيطة والنهائية. وفي هذا النوع من التفاعلات العضوية تستبدل ذرة الهيدروجين البارافينية بإحدى ذرات الهالوجينات كالآتي:
وقد تستمر تفاعلات الهلجنة لتعطي بارافينات متعددة الهلجنة مثل كلورة الميثان، وتتم هذه التفاعلات تحت تأثير الضوء فوق البنفسجي، أو عند درجات حرارة 250-400 درجة مئوية في الحالة الغازية أو السائلة. وبالنسبة لنوعية الفلورين أكثر الهالوجينات نشاطاً، يليه الكلورين ثم البرومين والأيودين.
ويسهل تحضير البارافينات المهلجنة في الصناعة، وتستخدم البارافينات المكلورة في نطاق مدى غليان النافثا، والغازات المسالة في التنظيف الجاف، كما تستخدم مذيبات عضوية وفي تفاعلات التخليق العضوي، وتحضير البتروكيماويات الوسيطة والنهائية.
2. النافثينات Naphthenes
هي الهيدروكربونات المشبعة المكونة بفعل ارتباط مجموعات الميثيلين ـ CH2 ـ في حلقة أو أكثر، وتحوي الحلقة الواحدة 3 - 9 ذرات كربون، وتندرج هذه الهيدروكربونات ضمن الهيدروكربونات الأليفاتية الحلقية. والصيغة الجزيئية العامة للنافثينات البسيطة هي Cn H2n أي أن نسبة الهيدروجين إلى الكربون تعادل 2 : 1، أما في النافثينات متعددة الحلقات فإن الهيدروجين يقل بما يعادل ذرتين منه لكل حلقة مضافة إلى الحلقة الأصلية، والصيغة الجزيئية العامة للنافثينات متعددة الحلقات هي Cn H2n-2x حيث n تمثل عدد ذرات الكربون، X تمثل عدد الحلقات المضافة إلى الحلقة النافثينية الأصلية. وتسمى النافثينات بإضافة المقطع Cyclo إلى الألكان مستقيم السلسلة المماثل في عدد ذرات الكربون مثل السيكلوبوتان
والبترول لا يحتوي إلا على النافثينات التي تشمل خمس أو ست ذرات من الكربون، وتوجد النافثينات في الخامات البترولية بنسب متفاوتة حسب نوع الخام ومصدر إنتاجه، كما توجد في جميع المقطرات والمخلفات البترولية بكميات معقولة. وتوجد النافثينات البسيطة ومشتقاتها الميثيلية في مدى غليان الجازولين، بينما توجد مشتقات النافثينات الألكيلية والأروماتية في المقطرات الوسطى والثقيلة. وتوجد النافثينات متعددة الحلقات في مقطرات النافثا الثقيلة. وتتقارب الصفات الكيميائية والطبيعية للنافثينات مع البارافينات، وتتأثر مثلها بزيادة المحتوى الكربوني، وإن تميزت النافثينات بانخفاض معدل لزوجتها، وبارتفاع أرقامها الأوكتينية، كما تتميز النافثينات بارتفاع حرارة الاحتراق.
3. الهيدروكربونات الأليفاتية غير المشبعة
تتخذ الصيغة الجزئية العامة Cn H2n، وتسمى كذلك بالأوليفينات Olefins، وتسمى مركباتها بإضافة المقطع "ene" إلى المقطع الدال على عدد ذرات البرافين المماثل أو إلى المجموعة الألكيلية. وتوجد الهيدروكربونات غير المشبعة في بعض الخامات البترولية بنسب قد تصل إلى 3% من وزن الخام، كما توجد بنسب بسيطة في بعض المنتجات البترولية نتيجة للتكسير الحراري في أثناء عملية التقطير. وتتماثل الأوليفينات في خواصها الطبيعية مع البارافينات، والنافثينات المماثلة في الوزن الجزئي والشكل التركيبي، وتزداد درجة الغليان[3] بحوالي 20 - 30 درجة مئوية لكل إضافة من مجموعات الميثيلين، وكذلك تقل درجة الحرارة بالزيادة في درجة التفرع، كما تتميز الأوليفينات بأرقام أوكتينية عالية نسبيا عن البارافينات. والنشاط الكيميائي للأوليفينات يشمل تفاعلات الإضافة الإلكتروفيلية، والبلمرة، وتفاعلات الألكلة الأليفاتية والأروماتية وتفاعلات الأكسدة.
والهدرجة من أهم تفاعلات الإضافة الإلكتروفيلية المستخدمة في مجال التكرير لإنتاج مواد بترولية تقاوم الأكسدة مثل الجازولين وزيوت التزييت، ومن تفاعلات الإضافة المعروفة إضافة الماء في وجود وسط حمضي لإنتاج الكحولات المختلفة. وتستخدم تفاعلات الألكلة Alkylation في تحضير الأيزوأوكتان الذي يتميز بارتفاع رقمه الأوكتاني، وفي إنتاج بعض البتروكيماويات الوسيطة والنهائية، كتحضير الأستيرين من البنزين والإيثيلين كالآتي:
وتتفاعل الأوليفينات مع العوامل المؤكسدة مثل برمنجنات البوتاسيوم، وثنائي كرومات الصوديوم والأوزون لإنتاج مشتقات أكسجينية مثل الجليكولات والأحماض العضوية والألدهيدات على التوالي. وبسبب الأكسجين الجوي تتعرض الأوليفينات إلى البلمرة الأكسجينية، وتنتج بلمرات راتيجية تعطى للمنتجات البترولية المحتوية على الأوليفينات لونا أصفر عند تعرضها للهواء في أثناء التخزين، لذلك تجري هدرجة الجازولين وزيوت التزييت لرفع معدل ثباتها ضد الأكسدة في أثناء التداول والتخزين.
4. الهيدروكربونات الأروماتية AROMATIC HYDROCARBONS
لها دور أساسي في تقويم جودة المنتجات البترولية، وتعرف بأنها الهيدروكربونات المحتوية على حلقة أو أكثر من حلقات البنزين. والبنزين هو أبسط الهيدروكربونات الأروماتية، وتتميز حلقته بتماثلها وثباتها الحراري والكيميائي. وتنقسم الهيدروكربونات الأروماتية إلى البنزين ومشتقاته الألكيلية، وإلى الأروماتيات المتكافئة مثل النافثالين، والأنثراسين والبيرين Pyrene، ثم إلى الأروماتيات عالية التكثيف. وتندرج الحلقات الأروماتية تحت الصيغة الجزيئية العامة CnHn-2x حيث تمثل n عدد ذرات الكربون، وتمثل x عدد الحلقات المضافة إلى الحلقة الأصلية.
وتسمى المشتقات الأروماتية بمشتقات البنزين، وكما يمثل البنزين أبسط الحلقات الأروماتية فإن التولوين Toluene هو أبسط المشتقات الألكيلية. وقد تلتحم الحلقات الأروماتية عبر ذرتين من الكربون مكونة الأروماتيات المتكاثفة التي تبدأ بالنافثالين ذي الصيغة الجزيئية C10H8 ثم الأنثراسين C14H10 فالبيرين C16H10.
وتوجد الأروماتيات بنسب متفاوتة في الخامات البترولية، وتتراوح بين 10% فأقل في الخامات البارافينية، وحتى 50% فأكثر في الخامات الأسفلتية، وفي الغالب يتزايد المحتوى الأروماتي في المنتجات البترولية بزيادة مدى غليان هذه المنتجات، وعادة توجد الأروماتيات البسيطة ـ التي لا تحتوي على سلاسل بارافينية أو حلقات نافثينية ـ بصورة متزايدة في المقطرات الخفيفة، بينما تتركز الأروماتيات المتكاثفة في المخلفات البترولية الأسفلتية، وتزداد نسبة الأروماتيات المحتوية على حلقات نافثينية في زيوت التزييت، ويتميز البنزين بارتفاع درجة تجمده وكثافته النسبية، وانخفاض درجة غليانه عن التولوين والزايليين، أو رابع ميثيل البنزين.
ومن الخصائص الكيميائية للحلقات الأروماتية ثباتها الكيميائي، ومقاومتها للأكسدة، وتتم هدرجتها عند ظروف أعلى من درجات الحرارة بالمقارنة بالأوليفينات. وتعطي تفاعلات هدرجة واحتراق البنزين حرارة أقل من الكمية المحسوبة للشبيه النظري سيكلوهكساترابين بمقدار 36 كيلو سعر حراري، ويستفاد من ذلك في معالجة المنتجات البترولية - وخصوصيا الجازولين - بالهيدروجين للتخلص من الهيدروكربونات غير المشبعة والتي تؤدي إلى عدم ثبات هذه المنتجات ضد الأكسدة مع الاحتفاظ بنسبة الأروماتيات ذات الرقم الأوكتاني العالي والثبات الحراري.
ثالثاً: المكونات غير الهيدروكربونية
تحتوي الخامات البترولية على العديد من المشتقات الهيدروكربونية المحتوية على الكبريت والنيتروجين والأكسجين بكميات تختلف حسب تنوع مصادر إنتاجها، كما تحتوي هذه الخامات على كميات صغيرة من المركبات العضوية الفلزية الذائبة في الخليط الهيدروكربوني والأملاح غير العضوية المعلقة في الغرويات المائية. وتوجد المكونات غير الهيدروكربونية حسب مدى غليانها في كل المقطرات البترولية، وتتركز في المنتجات الثقيلة والمخلفات البترولية.
ومن الضروري التخلص من هذه المكونات التي تؤثر على جودة المنتجات البترولية، نتيجة تأثير حامض الهيدروكلوريك الناتج عن التحلل الحراري للكلوريدات غير العضوية في تآكل المنشآت المعدنية، وكذا المركبات الكبريتية الحامضية. وتسبب المركبات الكبريتية والنيتروجينية والمشتقات المعدنية ـ وخاصة مشتقات النيكل والفاناديوم ـ تسمم الحفازات Catalyst Poisoning في أثناء عمليات التكرير والتصنيع، كما تتعرض معظم المركبات الكبريتية والنيتروجينية للأكسدة في أثناء النقل والتخزين، مثلما تساعد على أكسدة وبلمرة بعض الهيدروكربونات، فتؤدي إلى إنتاج الراتنجات في المقطرات الخفيفة، ما يخفض كفاءة تشغيل هذه المنتجات وأداءها.
كذلك يجري التخلص من المركبات الكبريتية أو تحويلها إلى مشتقات ثابتة حراريا ومقاومة للأكسدة مثل الداي سلفيد Di-Sulphide بوسائل عدة، فيتم التخلص من المركبات الحمضية منها عن طريق المعالجة بالقلويات، أو إحدى طرق التحلية للتخلص من المركبتانات في الجازولين، أو استخدام حامض الكبريتيك المركز، أو التخلص من المحتوى الكبريتي للمنتجات البترولية عن طريق نزع الكبريت بالهيدروجين.
ويقتصر تأثير المشتقات الأكسجينية في الخامات البترولية ومنتجاتها على ارتفاع الحموضة الكلية عند وجود الأحماض النافثينية، وعلى العكس فإن وجود الفينولات في زيوت التزييت يزيد فترة المقاومة للأكسدة، عن طريق امتصاصها للجذور الحرة الأكسجينية، حيث تتكون جذور الفينوكسيدات الثابتة.
أما المركبات النيتروجينية في البترول فهي إما قاعدية تشمل البيريدين Pyridine، والكينولين Quinoline والأيزوكينولين، ومشتقاتها، أو غير قاعدية ومنها البيرول، والإندول، والكاربازول ومشتقاتها. وتبلغ نسب المركبات النيتروجينية في الخامات البترولية 0.1 -1% في المتوسط، وقد تصل إلى 2% في بعض الخامات. وتتركز المركبات النيتروجينية في المقطرات الوسطى والثقيلة والمخلفات البترولية، وتتزايد نسبتها بازدياد درجة غليان المنتجات البترولية. وتؤثر هذه المركبات تأثيراً ضاراً على كفاءة الحفازات المستخدمة في تكرير البترول، وذلك لامتزازها الكيميائي Chemisorption على المواضع الحمضية Acid Sites للحفازات، كما أن سهولة أكسدة المركبات النيتروجينية تؤدي إلى تغير ألوان المنتجات البترولية عند تخزينها، وهي معرضة للهواء.
وتفصل المركبات النيتروجينية القاعدية عن طريق استخلاصها بالأحماض غير العضوية، كما يمكن التخلص من المحتوى النيتروجيني للمنتجات البترولية بواسطة المعالجة بالهيدروجين وبخاصة الجازولين. وغالبا يجري إحلال الهيدروجين النيتروجيني بأحد المعادن الثقيلة مثل الفاناديوم أو النيكل أو الحديد.
رابعاً: المحتويات الفلزية
توجد آثار من الفلزات في الخامات البترولية وتتركز في المخلفات الثقيلة، وتأخذ صورة مشتقات عضوية فلزية ذائبة أو أملاح صابونية أو معلقات، ولها تأثير ضار على الحفازات في صناعة البترول. ومن أهم هذه الفلزات النحاس والكالسيوم والمغنسيوم والزنك والألومينوم والسيليكون والنيكل والحديد والفاناديوم.
خامساً: التصنيف النوعي لمنتجات البترول
البترول هو المعدن العضوي الوحيد الموجود في باطن الأرض، والمعروف حتى الآن، وتتفاوت نسب مكوناته، وتختلف في خواصها الطبيعية والكيميائية، ما يتطلب تقطير البترول وتجزئة منتجاته وتطوير خواصها، إذ هو المصدر الأساسي للطاقة والبتروكيماويات. وبفضل تطور طرق فصل المكونات، وطرق التجزئة الحرارية، والمذيبات، والفصل الكروماتوجرافي، والتجزئة بالكيماويات أمكن فصل المنتجات الرئيسية التالية من خام البترول:
· الغازات والغازات المسالة.
· المقطرات الخفيفة: الجازولين والنافثا.
· المقطرات الوسطى: الكيروسين، السولار، وقود النفاثات، زيت التدفئة.
· المقطرات الثقيلة: المقطرات الشمعية، زيوت التزييت، زيت الديزل، الشحوم.
· منتجات بترولية أخرى: زيت الوقود، الإسفلت، الفحم البترولي.
1. الغازات والغازات المسالة
توجد الغازات البترولية مع البترول الخام في مكامنه، أو منفردة في حقول الغاز الطبيعي. وكان المعتاد فصل الغازات عن البترول الخام عند استخراجه وحرقها بواسطة أنابيب عالية تسمى بمشاعل الغاز. ومع تطور أساليب الإسالة، والنقل تحت الضغط العالي، وتصنيع الضواغط، والاحتياج إلى الغازات البترولية وقوداً، أو لإنتاج عديد من الكيماويات البترولية، فقد تنوعت أساليب الاستفادة من الغاز الطبيعي أو الغازات الناتجة من عملية التقطير، أو عمليات التكسير الحراري والحفزي لزيت الوقود والمنتجات الثقيلة والمتوسطة.
وتتكون الغازات البترولية من الهيدروكربونات الخفيفة والمحتوية على 1-4 ذرات كربون. ويحتوي الغاز الطبيعي على أكثر من 95% من الميثان. وجميع مكونات الغازات البترولية توجد في الحالة الغازية عند درجات الحرارة العادية والضغط العادي، وقد اصطلح على تسمية غازي الميثان والإيثان بالغازات البترولية، واطلاق اسم الغازات البترولية المسالة على غازي البروبان والبيوتان. وتنقسم الهيدروكربونات الغازية إلى مكونات مشبعة بارافينية، ومكونات أوليفينية غير مشبعة. ويتكون الغاز الطبيعي في الغالب من البارافينات، وتحتوي غازات التكرير على كميات متزايدة من الأوليفينات. وتصنف الغازات البترولية إلى الغاز الطبيعي وغازات التكرير والغازات المسالة.
ويكون الغاز الطبيعي بمفرده في حقول خاصة به، أو مصاحبا للخامات البترولية في حقول النفط. وفي حقول الغاز يتكون الغاز الطبيعي أساسا من الميثان، ثم الإيثان بكميات صغيرة والهيدروكربونات العليا بكميات ضئيلة. وإذا زادت كمية الهيدروكربونات العليا في الغاز الطبيعي سمي بالغاز الرطب، وبضغط هذا النوع من الغازات تفصل السوائل الهيدروكربونية منه وأهمها الجازولين الطبيعي. وقد يحتوي الغاز الطبيعي على نسب مختلفة من المكونات غير الهيدروكربونية مثل النيتروجين وثاني أكسيد الكربون، وثاني كبريتيد الهيدروجين والهيليوم.
ويستخدم الغاز الطبيعي وقوداً في معامل التكرير، وفي صناعات أخرى، ووقوداً منزلياً، ثم مصدراً لتحضير بتروكيماويات عديدة، مثلما يمكن استخدامه في الإنتاج الثانوي للزيت. وقد استُخدِم النار الطبيعي حديثاً بنجاح وقوداً لمحركات آلات الاحتراق الداخلي. ويمكن عن طريق الأكسدة إنتاج الكحول الميثيلي والفلورمالدهايد من الغاز الطبيعي، وعن طريق الكلورة إنتاج الميثيل كلوريد، والميثيلين كلوريد، والكلوروفورم، ورابع كلوريد الميثان، وعن طريق المعالجة الحرارية يمكن إنتاج الهيدروجين ثم تثبيته لتكوين الأمونيا اللازمة لصناعة الأسمدة.
أما غازات التكرير فيمكن أن تنتج من الخامات البترولية عند تعرضها للتقطير الجوي كمنتج قمة من برج التقطير الرئيسي مع النافثا الخفيفة أو الجازولين، ثم تفصل بعملية "تثبيت الجازولين". ويتم فصل الغازات، والغازات المسالة ونزع ثاني كبريتيد الهيدروجين بعملية "معالجة الغازات"، ثم ينتج الكبريت العنصري من غاز ثاني كبريتيد الهيدروجين، ويمكن أيضاً إنتاج غازات التكرير خلال عمليات تكسير النافثا في وجود بخار الماء.
وتستخدم غازات التكرير وقوداً عندما تكون محدودة الكمية، أما إذا تكونت بكميات ضخمة فإنها تدخل في صناعة البتروكيماويات، فتفصل الغازات من الغازات المسالة، وتضاف الأخيرة إلى مجمع الجازولين لزيادة حجمه، وتحسين رقمه الأوكتاني، وزيادة ضغطه البخاري، أو تعبأ للاستخدام المنزلي. كما تستخدم غازات التكرير في تحضير الكيماويات البترولية، وتستعمل الهيدروكربونات غير المشبعة في تحضير الجليسرين والمطاط الصناعي والبلاستيك، والمنظفات الصناعية، والعديد من المذيبات العضوية. وتسهل إسالة غازي البروبان والبيوتان، ويستخدمان وقوداً منزلياً، كما يمكن استخدامهما في الصناعة في لحام المعادن، وقطع الفولاذ، وإسالة الرصاص، وتلدين السبائك، وحرق الحراريات، وفي الصناعات الغذائية، وتجفيف المحاصيل، ثم في إنتاج الطاقة في المحركات.
2. المقطرات الخفيفة LIGHT DISTILLATES
أهمها الجازولين، وهو خليط من الهيدروكربونات يغلي في درجات حرارة 40 - 205 درجة مئوية، وتختلف مكوناته حسب مطالب الاستخدام. ويتركب من خمس إلى عشر ذرات من الكربون، وتصنف الهيدروكربونات في الجازولين إلى البارافينات، وهي هيدروكربونات مشبعة تحتوي على سلاسل مستقيمة ومتفرعة وحلقية، والأروماتيات، وهي حلقات سداسية ذات ثلاث روابط ثنائية متبادلة، ثم الأوليفينات، وهي هيدروكربونات غير مشبعة تحتوي على سلاسل مستقيمة ومتفرعة وحلقية.
ويلاحظ أن البارافينات العادية تكون بنسبة 2 : 1 إلى البارافينات المتفرعة في جازولين التقطير الجوي، ويرتفع الرقم الأوكتاني بازدياد التفرع. وقد أختير الأيزو أوكتان ليكون معياراً للرقم الأوكتاني 100. وتختلف نسبة الهيدروكربونات الأروماتية في الجازولين حسب نوع الخام البترولي فتنخفض في الجازولين المستخرج من الخامات البارافينية، وتزداد نسبتها في الجازولين المنتج من خامات أسفلتية.
ويجب إزالة المركبات الكبريتية من الجازولين، فهي تقلل من كفاءة رابع إيثيلات الرصاص الذي يضاف إلى الجازولين لتحسين الرقم الأوكتاني، وينتج عن احتراقها أبخرة حامضية تؤدي لتآكل الأجزاء المعدنية في المحركات. وقد أصبح يسيراً اليوم الحصول على جازولين رقمه الأوكتاني 90 - 150 عن طريق إعادة التشكيل الحراري والحفزي للمقطرات الخفيفة.
ويمكن أيضاً الحصول على الجازولين بالمعالجة الحرارية للمنتجات البترولية الثقيلة والمتوسطة، من خلال عمليات التكسير الحراري والحفزي وعمليات التكسير في وجود بخار الماء. كما يسهل الحصول على الجازولين من خلال عمليات البناء لهيدروكربونات الغازات المسالة، والتي تشمل عمليات الألكلة والدايمرة. وتضاف إلى أنواع الجازولين المذكورة عدة إضافات بترولية مؤخرة للأكسدة، ولتحسين الاحتراق، ورفع الرقم الأوكتاني، واللون المميز لكل رقم أوكتاني. أما جازولين الطائرات فمدى غليانه في حدود 38 - 170°م، ما يسمح بتوزيع أفضل لأبخرة الجازولين في محركات الطائرات، ولا يحتوي على البيوتان، ويتميز بدرجة ثبات عالية ضد الأكسدة، وبثبات كيميائي عال خلال التخزين. ويمتاز الجازولين بخاصية عدم الخبط Antiknock.
ويتم تحسين مواصفات الجازولين من حيث مقاومته للأكسدة بإضافة موانع الأكسدة من الفينولات مثل الأيونول، أو أشباهه من ألكيلات الفينول.
أما النافثا فهي مقطر بترولي خفيف مدى غليانه 60 - 240 درجة مئوية، وتستخدم مذيباً عضوياً قوياً وغير سام وثابتاً حرارياً وواسع الاستخدام، ويسهل الحصول عليه في عمليات التقطير أو التكرير المختلفة. لابد عند استخدامها في هذه الحال إزالة المحتوى الكبريتي فيها، باستخدام المعالجة بالهيدروجين أساساً، كما قد يفصل الهيدروكربونات الأروماتية من النافثا عن طريق المعالجة بالمذيبات.
وتستخدم النافثا لإذابة البويات أو تجفيفها، وكذلك البقع في التنظيف الجاف، أو تخفيف الأسفلت، كما تستخدم مذيباً في عمليات صناعة المطاط والاستخلاص الصناعي. وقد اثبتت النافثا كفاءتها في استخلاص بعض الزيوت الطبيعية، مثل زيت بذرة القطن وزيت الخروع وزيت فول الصويا، وزيت القمح الجنيني، كما تستخدم لاستخلاص النفايات الدهنية للعظم ومخلفات اللحوم الدهنية، التي تستخدم في تصنيع الصابون، كما تستعمل النافثا كمذيب أيضا في صناعات أحبار الطباعة، وطلاء الجلود والأخشاب، والصبغات، والورنيش، والشموع البارافينية والمبيدات الحشرية.
3. المقطرات الوسطى
يراوح مدى غليانها بين 175°م، 400°م، ومحتواها الكربوني بين عشر وثماني عشرة إلى عشرين ذرة كربون، وتشمل الكيروسين، ووقود النفاثات، وزيت التدفئة، والمقطرات الشمعية الخفيفة.
وقد تطور تركيب الكيروسين بإزالة المقطرات الخفيفة سريعة الاشتعال منه، ومعالجته بحامض الكبريتيك المركز للتخلص من اللون الذي سببته بعض المخلفات الثقيلة، والرائحة بسبب المركبات الكبريتية. والكيروسين هو المقطر البترولي الذي يتراوح مدى غليانه بين 175°م، 325°م، ويشمل 10 - 18 ذرة كربون. ويحتوي الكيروسين على البارافينات مستقيمة السلسلة، والمتفرعة، وعلى النافثينات، وبعض الهيدروكربونات الأروماتية مثل ألكيل البنزين والنافثالين . ويعد التقطير الجوي للخامات البارافينية أساس تصنيع الكيروسين، ويمكن استخراج الكيروسين من الخامات الأسفلتية على أن يعالج بحامض الكبريتيك لفصل الأروماتيات عنه.
ويستخدم الكيروسين أساساً وقوداً للإضاءة والتدفئة والتسخين المنزلي في مختلف الأجواء وبخاصة الباردة، وينتج طاقة حرارية عالية، وتراعى إزالة المركبات الكبريتية منه بالمعالجة بحامض الكبريتيك، ثم معادلة الكيروسين، بعد المعالجة بالحامض، بمحلول قاعدي ثم غسله بالماء وتجفيف الناتج.
أما بالنسبة لوقود الطائرات النفاثة فإن المحركات التوربينية تصمم لتستوعب أي مقطر بترولي في الحالة السائلة، خلال مدى حراري واسع مناسب لظروف التشغيل من درجات حرارة من - 40°م إلى 40°م، وضغط 0.1 - 1 ضغط جو، ولهذا يعتبر الكيروسين[4] من أنسب المنتجات البترولية للاستخدام في محركات الطائرات النفاثة، على أن تستبعد منه النهايات الثقيلة للكيروسين التي تتجمد عند درجات حرارة منخفضة، والأفضل استخدام الجازولين على أن يستبعد منه النهايات الخفيفة التي تتبخر عند ضغوط منخفضة. ويجب ألا تتعدى نسبة الأروماتيات 25% من وقود الطيران النفاث، وأن تضبط درجة لزوجة الجازولين بإضافة 2-3% من زيت تزييت خفيف إليه، أو تزييت المضخات في دورة الوقود بنظام داخلي. ويجب إزالة الكبريت ومركباته من وقود الطيران النفاث، حرصا على عدم تآكل السبائك المعدنية في المحركات وأنابيب الوقود. وهناك إضافات مانعة للأكسدة تستخدم في وقود الطائرات النفاثة مثل الأيونول.
أما زيت وقود التدفئة، وهو أحد المقطرات الوسطى، فتبلغ درجة غليانه 205 - 290 درجة مئوية، ويحتوي على 12 - 16 ذرة كربون، ويستخدم في التدفئة المركزية للمباني، ويستخدم الماء سائلاً يحمل الحرارة، أو يسخن ويتحول إلى بخار يدفع في شبكة أنابيب المبنى مع إمكانية التحكم في معدل التدفئة. وينتج زيت التدفئة من الخامات الأسفلتية أو من عمليات المعالجة الحرارية.
ويبقى السولار من المقطرات الوسطى، ويستخدم في محركات الديزل، أو محركات حقن الوقود المستخدمة في سيارات النقل، ومحركات السفن، ومولدات الكهرباء الصناعية. ويتراوح مدى غليانه بين 260°م، 425°م، ويراعى خفض نسبة الكربون فيه عن 0.1% بالوزن، والكبريت عن 1.5%.
4. المقطرات الثقيلة
خلال تقطير زيت الوقود لإنتاج زيوت التزييت والأسفلت تنتج مقطرات بترولية ثقيلة ذات درجة غليان 425 - 600 درجة مئوية، تسمى بوقود زيت الديزل الذي يستخدم في إدارة المولدات الكهربية الضخمة، وفي قاطرات الديزل. ويمكن أن ينتج وقود الديزل بخلط المقطرات الشمعية ومنتجات المعالجة الحرارية الثقيلة، ومخلفات عمليات التكرير مع زيوت التزييت غير المطابقة للمواصفات في "مجمع الديزل". وتتميز محركات الديزل بارتفاع كفاءتها الحرارية، مقارنة بمحركات الجازولين، وبانخفاض معدل استهلاكها من الوقود، وبخاصة إذا تم الوصول إلى أفضل تصميمات الوقود، من حيث ظروف حقنه واشتعاله واحتراقه.
أما زيوت التزييت الثقيلة والمتوسطة والخفيفة فتتميز باحتوائها على هيدروكربونات تغلي عند 400°م تقريباً، وتحتوي على 20-40 ذرة كربون. ويفضل في إنتاجها الابتعاد عن الخامات البارافينية، التي تحتوي على نسبة عالية من الشموع البارافينية. ويحصل عليها في عملية التقطير الجوي للخامات لإنتاج النافثا والمقطرات الأخف ثم الكيروسين، ويتبقى المتخلف من زيت الوقود الذي يتعرض للتكسير الحراري، ثم تجزئة نواتج التكسير لتبقى مخلفات كربونية تسمى بالقار، وتحتوي المخلفات بعد نزع الكيروسين والمنتجات الأكثر تطايراً على زيوت التزييت والشموع. ثم بعملية تقطير ثانية يفصل السولار، والمقطر البرافيني من زيوت وشموع، ويتخلف زيت وقود ثقيل نسبياً. ثم يبرد المقطر البارافيني لفصل الشموع عن زيوت التزييت. وتقطر هذه الزيوت وتعالج بالحامض وتعادل بالقلويات ثم تغسل بالماء قبل ترشيحها.
وتصنف الخامات البترولية المستخدمة في إنتاج زيوت التزييت إلى نوع بارافيني ينتج زيوتا ذات لزوجة عالية، بعد نزع الشموع منها، ونوع أروماتي ينتج زيوت تزييت أقل لزوجة، وأقل في محتواها الشمعي. ويمكن إنتاج زيوت ذات لزوجة عالية بتقطير الخامات النافثينية عند درجات حرارة أقل من درجات حرارة تقطير الخامات البارافينية، وتفضل الزيوت المنتجة من الخامات النافثينية أو الأسفلتية؛ لأنها تترك مخلفات كربونية بنسبة أقل عند استخدامها في آلات الاحتراق الداخلي.
وزيوت التزييت تعمل في ظروف التشغيل المتقطع كما السيارات، أو المتصل كما في محركات التوربين، وفي الحالة الأولى ينبغي أن تتميز بلزوجة عالية، وأن تغير باستمرار وبصفة دورية عندما تتجمع فيها الرواسب، ونواتج الأكسدة، أو تفقد لزوجتها مع استمرار التشغيل، وفي الحالة الثانية يجب ان تمتاز بدرجة ثبات حرارية عالية.
وتضاف إلى زيوت التزييت إضافات تمنع الأكسدة أو تؤخرها، وإضافات تمنع التآكل، وإضافات مستحلبة تبقى نواتج الأكسدة على هيئة معلقات، حتى يجري التخلص منها في أثناء تغيير الزيت، كما ينزع منها الأسفلت والشموع. أما الزيوت البيضاء فتحضر من الخامات النافثينية والبارافينية، والمختلطة على السواء، وهي نوعان، أولهما الزيوت البيضاء الفنية المستخدمة في تحضير مستحضرات التجميل، وصناعة النسيج، وبعض المبيدات الحشرية، والثاني هو الزيوت البيضاء الصيدلية التي تستخدم في تحضير بعض الأدوية مثل الملينات والمراهم الطبية، وزيوت ماكينات تصنيع الأغذية. وقد أزيلت من هذه الزيوت محتوياتها من الكبريت، والنيتروجين، والهيدروكربونات النشطة والقابلة للتأكسد، كما أزيلت ألوانها بعمليات الإدمصاص والتخلل.
وتستخدم الزيوت العازلة في العزل الكهربائي، ومنها نوع يستخدم في المحولات الكهربائية، وهو زيوت المحولات، والآخر لتغطية الورق المغلف للكابلات الكهربية، وتتميز بالثبات ضد الأكسدة. كذلك تستخدم بعض الزيوت البارافينية والنافثنية ذات مدى الغليان من 240°م إلى 350°م لإبادة بعض الحشرات النباتية والحيوانية والمنزلية، أو تستعمل مذيبات لبعض مبيدات الآفات الزراعية، كما قد ترش هذه الزيوت على المستنقعات، وقد تضاف إليها الأحماض الدهنية والصابون لتحسين انتشارها.
والشحوم البترولية زيوت تزييت أضيفت إليها عوامل تحفظ تماسكها والتصاقها بالأسطح، كأنواع معينة من الصابون المشتق من الأحماض الدهنية وهيدروكسيد الفلزات مثل الكالسيوم والباريوم أو الصوديوم أو الليثيوم.
وتحتوي الشحوم كذلك على إضافات لتحسين قدرتها على مقاومة الضغط الناتج من التحميل، ولتعمل على منع الصَّدأ، والأكسدة. ومن أنواع الشحوم المستخدمة في الأسواق شحوم صابون الجير، وشحوم صابون الصودا، وشحوم صابون الليثيوم والباريوم المستخدمة في الطائرات والسيارات، وشحوم صابون الألومنيوم، وشحوم التماسك البارد التي تحتوي على صابون الكالسيوم المحضر من الزيوت المستخرجة من أشجار الصنوبر.
ويمكن تمييز نوعين من الشموع البترولية، أحدهما الشموع البارافينية الموجودة في المقطرات البترولية، والآخر الشموع دقيقة البللورات الموجودة بالمخلفات البترولية. وتتكون الشموع البارافينية من خليط من السلاسل المستقيمة الهيدروكربونية التي يبلغ محتواها الكربوني 20 - 30 ذرة كربون أو أكثر، وهي صلبة عند درجة الحرارة العادية 25°م، أما الجيلاتين البترولي فهو عبارة عن شموع ذات بللورات دقيقة قابلة للمط وينصهر في درجات حرارة منخفضة نسبياً. وتنزع الشموع بالمذيبات أو تفصل بالبلورة. ويمكن فصل الشموع البارافينية باستخدام اليوريا التي تضاف إلى المقطرات الشمعية، ثم الترشيح والتكسير بالماء الساخن ويبلغ مدى انصهار الشموع البترولية 1°م - 2°م، وتستخدم في تحضير بعض الكيميائيات الدوائية ومستحضرات التجميل وصناعات المطاط والنسيج.
أما الأسفلت فيتخلف عن عمليات التكرير المختلفة للخامات المختلطة والخامات الأسفلتية، وأهم أنواعه طبقاً لطريقة الاستخراج هي أسفلت التقطير، وأسفلت التكسير، والانتزاع، والأسفلت الطبيعي، والمنفوخ. ويتكون من خليط من الهيدروكربونات الحلقية المتكاثفة العالية في أوزانها الجزيئية، والتي توجد بها نسبة عالية من الكربون إلى الهيدروجين، كما تحتوي حلقات الأسفلت على ذرات أخرى من الكبريت والنيتروجين والأكسجين وبعض المحتويات المعدنية للخامات البترولية. ويمكن القول أن الأسفلت خليط من مركبات صلبة غير متبلورة منتشرة في سوائل هيدروكربونية عالية اللزوجة، وذات مدى غليان عال جداً، وتنتشر فيها بلمرات عالية تسمى بالراتنجات Resins. ويمكن تجزئة الأسفلتيات حسب درجة ذوبانها في المذيبات العضوية مثل رابع كلوريد الكربون أو ثاني كبريتيد الكربون. وغالبا ما يبلغ مدى ليونة الأسفلت 25°م - 55°م. كما ينتج الأسفلت من عمليات نزع الأسفلت لزيوت التزييت والمقطرات الثقيلة باستخدام البروبان لترسيب الأسفلت، وعندئذ ترتفع درجة ليونته إلى 95°م.
والأسفلت المنفوخ هو أسفلت مرن، تحول إلى أسفلت صلب بالأكسدة أو النفخ بالهواء عند درجة حرارة 260°م، وتصل ليونته إلى 180°م، أما أسفلت المذيبات فينتج باستخلاص الزيوت والراتنجات باستخدام الهيدروكربونات الخفيفة، وقد تضاف إلى الأسفلت مذيبات هيدروكربونية لتكوين الأسفلت السائل أو المخفف الذي يخلط بمكونات الرصف، وبعده تتطاير المذيبات. ويستخدم الأسفلت مادة لاصقة وعازلة وحافظة للأخشاب، وفي علاج الحيوانات من بعض الأمراض الجلدية، وفي رصف الشوارع وعزل حوائط وأسقف المباني، كما يستخدم في صناعة البطاريات والمطاط الصناعي.
5. منتجات بترولية أخرى
أهمها زيت الوقود، وهو منتج لزج يتخلف من عمليات التكرير المختلفة، ويستخدم لإنتاج الطاقة الحرارية في أفران ومعامل التكرير، أو مصدراً للطاقة في الأفران الصناعية ومحطات التحلية، ويوجد به الأسفلت وبعض المواد الصلبة، وقد يعالج لإنتاج مقطرات بترولية أو فحم بترولي.
والفحم البترولي هو المنتج الأخير من عمليات المعالجة الحرارية للمخلفات البترولية والمنتجات الطبيعية الثقيلة، وعادة ما تختلط به كميات مختلفة من الهيدروكربونات المحتوية على نسب متفاوتة من الكبريت والنيتروجين. وينتج الفحم البترولي في معامل التكرير بطرق عدة منها التفحيم المتأخر والسائل، وعند الضغط المنخفض، وفي درجات الحرارة العالية، وبنزع الكربون.
ويستخدم الفحم البترولي في صناعة الورنيش والطلاء، وقد يخلط مع زيت الوقود لتكوين الكربون السائل الذي يستخدم وقوداً في أفران خاصة، كما يستعمل في اختزال بعض أكاسيد الفلزات في الصناعات المعدنية، وفي صناعة بعض أجزاء المولدات الكهربية.
ومن خلال استخدام حامض الكبريتيك في معالجة المقطرات البترولية لإزالة المركبات غير المشبعة والأروماتية والكبريتية، ولتحسين ثبات المقطرات ضد الأكسدة تنتج مخلفات شتى منها الأحماض السلفونية التي تستخدم في تحضير المنظفات الصناعية، ما يؤكد أن الصناعة البترولية قد استطاعت اليوم الاستفادة المثلى من كافة النفايات البترولية وتنويع أوجه استخدامها.
سادساً: رؤية مستقبلية
سيظل البترول أهم مصادر الطاقة الطبيعية[5]، وفي مقدمة مقومات الحضارة، وبخاصة مع تزايد الطلب، عاما بعد آخر، على الطاقة في شتى مجالات الزراعة والصناعة والخدمات، وصعوبات تطوير موارد الطاقة الجديدة والمتجددة، وبطء التطور في مجال مفاعلات الاندماج النووي البارد التي يمكن - ربما بعد عام 2020م - أن تسهم في علاج مشكلات الأمان النووي، وتقلل من مخاطر التلوث الاشعاعي، وتزيد في إسهام الطاقة النووية بحيث تصبح مصدراً من المصادر الرئيسية للطاقة.
يتطلب الأمر، إذن، تنمية الإنتاج العالمي من البترول بصورة مضطردة سواء من المناطق المبشرة باحتياطيات بترولية كبيرة لم تستغل بعد، كبحر قزوين وخليج غينيا، ومياه الخليج العربي والبحر المتوسط، أو بتطوير تقنيات البحث والتنقيب لتنمية الحقول البترولية المنتجة حالياً.
الدول العربية في حاجة لزيادة طاقة إنتاجها البترولي، وحصتها في سوق البترول الدولية، وطاقات تكرير البترول وإنتاج البتروكيماويات، يخدم الحقوق والسياسات العربية في حوار المنتجين والمستهلكين حول حجم إنتاج البترول وأسعاره.
ينبغي في الجانب العلمي والتكنولوجي تطوير أجهزة المسح الجيوفيزيقي وطرقه، ونشير هنا إلى مثالين محددين، أولهما استخدام نظام VIBRIOSIS الحديث في المسح السيزمي الذي يمكنه توليد موجات سيزمية ذات تردد عال للغاية يصل حتى 1000 هيرتز دون أي تأثير ضار بالآبار الاستكشافية أو التركيب الجيولوجي. والثاني هو استخدام النيوترونات وأشعة جاما في تحديد مسامية الصخور الخازنة (اُنظر شكل استخدام النيترونات وأشعة جاما).
كذلك فإن تقويم المصائد والحقول البترولية يجب أن يتم من خلال القياسات التي تجري من خلال تجاويف آبار الاستكشاف، وتتيح التعرف على الأبعاد الثلاثة للخزان البترولي، وتحديد الاختلافات الأفقية والعرضية والرأسية في الخواص الجيوفيزيقية للتراكيب الصخرية، وهي أمور حاسمة في تحديد جدوى الحفر والإنتاج، ثم في تنمية الحقول والآبار بالاستغلال الأمثل لطرق الإنتاج الثانوي والثلثي للبترول، وينبغي أن يكتسب العرب خبراتها، وأن يقيموا شركاتهم القادرة على المسح الجيولوجي الجيوفيزيقي، وتسجيل الآبار الذي يتم حاليا بطريقة آلية تماماً وبدقة متناهية. إن الاعتماد سيظل أساسياً في مجال استكشاف البترول في العقدين القادمين على الطاقة السيزمية بالأساليب الحديثة، لرسم الأبعاد الثلاثة للتراكيب الجيولوجية من خلال تطبيقات التوموجرافيا[6] Tomography، التي تضع مصادر الموجات والإشعاع والمستقبلات معا تحت سطح الأرض.
إن البترول هو المجال الرئيسي لتطوير القدرة الاقتصادية للدول العربية المنتجة للبترول، وبخاصة في الخليج العربي، وهو مجال لتقل التكنولوجيا المتقدمة في مجال الطاقة وتوطينها، ثم هو أداة كبرى لخدمة بناء القوة الشاملة والمؤثرة لدول عربية عديدة، في عصر تتصارع فيه القوى الدولية والإقليمية على مصادر الطاقة بصورة لا تقل عن صراعها على موارد المياه، وربما فاقت صراعات الغذاء والسلاح. وإذا قدر للأمة العربية أن تكون القوة الخامسة أو السادسة في العالم، فإن الفضل في ذلك لن يقتصر على تكامل إراداتها السياسية، وتنسيقها الاقتصادي، فحسب، بل سيكون البترول عامل أساسي في بناء هذه القوة العربية.
____________________________________________
[1] الرابطة من نوع باي TT Pi هي رابطة تساهمية تكون فيها الكثافة الإلكترونية مركزة فوق وتحت الخط الذي يصل بين ذرات الرابطة.
[2] ينصهر الميثان عند درجة حرارة (-183°م) والبيوتان عند (138°م)، ويغلى الإيثان عند (-88.5°م) والبنتان عند (36°م)، وتبلغ كثافة الهكسان 0.659جم/ مللي لتر عند 20°م بينما كثافة الأوكتان إلى 0.703جم/ مللي لتر.
[3] يغلى الإيثيلين عند درجة حرارة ( - 102) درجة مئوية، والبروبيلين عند (- 48) درجة مئوية، والأيزوبيوتيلين عند (-7) درجة مئوية.
[4] يراعى ألا يعطي كيروسين الطائرات النفاثة ضغطا بخاريا أعلى من 8