مَسَاجِدُ الرَّسُولِ ذُكِرَتْ فِي مَسْجِدِ تَبُوكَ:
الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى جَاءَ فِي النَّصِّ: ثُمَّ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ إيلِيَاءَ.
قُلْت: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى مَا زَالَ مَعْرُوفًا وَمَا زَالَ يُسَمَّى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَالْقُدْسُ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُزَارُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَالُ لَهُ: ثَالِثُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْحَرَمَانِ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.
وَالْمَدِينَةُ الَّتِي بِهَا الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى تُسَمَّى مَدِينَةَ الْقُدْسِ، وَلَا تُعْرَفُ إيلِيَاءُ الْيَوْمَ، وَالْيَهُودُ يُسَمُّونَهَا «أُورْشَلِيم» وَهُوَ اسْمٌ كَنْعَانِيٌّ عَرَبِيٌّ حَرَّفُوهُ «أُورْسُلَيْمٌ» وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ «بِيرْشِيبَعْ» فِي «بِئْرِ السَّبْعِ» وَالْقُدْسُ - الْيَوْمَ - وَالْمَسْجَدُ الْأَقْصَى تَحْتَ الِاحْتِلَالِ الْيَهُودِيِّ، وَقَدْ قَامَ أَوْغَادُ الصَّهَايِنَةِ بِإِحْرَاقِهِ ثُمَّ رُمِّمَ، وَهُمْ الْيَوْمَ يُجْرُونَ حَفْرِيَّاتٍ تَحْتَ أَسَاسَاتِهِ.
مَسْجِدُ تَبُوكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ مَسَاجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِهِ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ مَسَاجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَتَبُوكَ مَعْلُومَةً مُسَمَّاةً: مَسْجِدٌ بِتَبُوكَ، وَمَسْجِدٌ بِثَنِيَّةِ مَدْرَانَ، وَمَسْجِدٌ بِذَاتِ الزَّرْبِ، وَمَسْجِدٌ بِالْأَخْضَرِ، وَمَسْجِدٌ بِذَاتِ الْخَطْمِيِّ، وَمَسْجِدٌ بِآلَاءَ، وَمَسْجِدٌ بِطَرَفِ الْبَتْرَاءِ مِنْ ذَنَبِ كَوَاكِبَ، وَمَسْجِدٌ بِالشَّقِّ شَقِّ تَارًّا، وَمَسْجِدٌ بِذِي الْجِيفَةِ، وَمَسْجِدٌ بِصَدْرِ حَوْضَى، وَمَسْجِدٌ بِالْحِجْرِ، وَمَسْجِدٌ بِالصَّعِيدِ، وَمَسْجِدٌ بِالْوَادِي، الْيَوْمَ وَادِي الْقُرَى، وَمَسْجِدٌ بِالرُّقْعَةِ مِنْ الشِّقَّةِ شِقَّةِ بَنِي عُذْرَةَ، وَمَسْجِدٌ بِذِي الْمَرْوَةِ، وَمَسْجِدٌ بِالْفَيْفَاءِ، وَمَسْجِدٌ بِذِي خُشُبٍ.
قُلْت: مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ:
1 - مَسْجِدُ تَبُوكَ: لَا زَالَ مَعْرُوفًا بِهِ، بِالْبَلَدِ الْقَدِيمِ، جُدِّدَ أَيَّامَ إقَامَتِي هُنَاكَ. اُنْظُرْ الْمُعْجَمَ.
2 - مَسْجِدُ ثَنِيَّةِ مَدْرَانَ، انْدَثَرَ، وَبَعْضُهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّ قُصَيْرَ التَّمْرَةِ هُوَ مَسْجِدُ مَدْرَانَ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ تَبُوكَ، وَقَدْ ذُكِرَ مَدْرَانُ قَبْلَ هَذَا فَرَاجِعْهُ.
3 - ذَاتُ الزَّرْبِ: لَا أَعْرِفُهَا، وَلَعَلَّهَا مَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِأُمِّ زَرْبٍ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْعُلَا.
4 - الْأَخْضَرُ: وَادٍ جَنُوبَ تَبُوكَ، يُطِيفُ بِهَا مِنْ الْجَنُوبِ وَالشَّرْقِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا رَأْسُهُ حَيْثُ كَانَ طَرِيقَ الْغَزْوَةِ، اُنْظُرْ مُخَطَّطَ تَبُوكَ.
5 - ذَاتُ الْخَطْمِيِّ وَآلَاءُ، مَنْسُوبَتَانِ إلَى نَبَاتٍ مَعْرُوفٍ بِالْبَادِيَةِ، وَمَا عَرَفْتهمَا الْيَوْمَ.
6 - كَوَاكِبُ: مَعْرُوفٌ الْيَوْمَ بَيْنَ تَبُوكَ وَالْعُلَا، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الْغَزْوَةِ.
7 - شَقّ تَارًّا: لَعَلَّهَا تِلْكَ الصَّحْرَاءِ الَّتِي تُوَاجِهُك قَبْلَ الْحِجْرِ مِمَّا يَلِي تَبُوكَ.
8 - ذُو الْجِيفَةِ: وَادٍ يَصُبُّ فِي الْجَزْلِ قَبْلَ الْتِقَائِهِ بِوَادِي الْقُرَى، فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ فَالْمَسْجِدُ فِي رَأْسِهِ حَيْثُ يَمُرُّ الطَّرِيقُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ.
9 - حَوْضَى: وَادٍ لِبَلِيٍّ يَصُبُّ فِي وَادِي الْقُرَى، قُرْبَ الْعُلَا.
10 - الْحِجْرُ: مَا زَالَ مَعْرُوفًا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
11 - الصَّعِيدُ: صَدْرُ وَادِي الْقُرَى الْمُتَّسِعُ، بَيْنَ الْحِجْرِ وَالْعُلَا، وَالْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا قُرَابَةَ (22) كَيْلًا.
12 - مَسْجِدُ وَادِي الْقُرَى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُ الْعُلَا الْيَوْمَ، هَكَذَا قِيلَ.
13 - شَقَّةُ بَنِي عُذْرَةَ: تُعْرَفُ الْيَوْمَ بِالْمَجَزِّ، وَهِيَ شَقَّةٌ طَوِيلَةٌ تَلِي الْحِجْرَ مِنْ الشَّمَالِ الشَّرْقِيِّ، وَمَعْنَى شَقَّةَ: أَيْ مَسْلَكٌ بَيْنَ سِلْسِلَتَيْنِ مِنْ الرَّمْلِ، أَوْ الْجِبَالِ.
14 - ذُو الْمَرْوَةِ: مَكَانٌ مَا زَالَ مَعْرُوفًا قُرْبَ مَصَبِّ وَادِي الْجَزْلِ فِي وَادِي الْحَمْضِ.
15 - الْفَيْفَاءُ: لَا أَعْرِفُهَا الْيَوْمَ. وَانْظُرْ الْفَيْفَاءَ، فِي هَذَا الْكِتَابِ.
16 - ذُو خُشُبٍ: لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ ذِي الْمَرْوَةِ، وَهُنَاكَ ذُو خُشُبٍ آخَرُ قُرْبَ الْمَدِينَةِ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَا أَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ.
مَسْجِدُ الشِّقَاقِ هُوَ مَسْجِدُ الضِّرَارِ، وَقَدْ وَرَدَ بَعْدَ هَذَا.
مَسْجِدُ الضِّرَارِ جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتَأَهَّبُ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالُوا لَهُ: إنَّا قَدْ بَنْينَا مَسْجِدًا لَذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ. وَطَلَبُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ: فَقَالَ: إنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، وَحَالِ شُغْلٍ، وَلَوْ قَدِمْنَا لَأَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ مُنَافِقُونَ بَنَوْا مَسْجِدَهُمْ عَلَى غَيْرِ تَقْوَى اللَّهِ، لِيَجْعَلُوهُ وَكْرًا لِبَنِي مِلَّتِهِمْ يَتَآمَرُونَ فِيهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَهُدِمَ، وَظَلَّ زَمَنًا وَالنَّاسُ يَتَطَوَّعُونَ بِهَدْمِ مَا تَبْقَى مِنْ أَثَرِهِ، وَقَدْ مُحِيَ الْيَوْمَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ.
وَكَانَ هَذَا الْمَسْجِدُ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ قُبَا، قِبْلِيَّ الْمَدِينَةِ، وَصَفَهُ ابْنُ النَّجَّارِ فَقَالَ: وَهُوَ كَبِيرٌ وَحِيطَانُهُ عَالِيَةٌ، تُؤْخَذُ مِنْهُ الْحِجَارَةُ، وَكَانَ بِنَاؤُهُ مَتِينًا.