عَذْرَاءُ بِلَفْظِ الْعَذْرَاءِ مِنْ النِّسَاءِ، وَمِنْ دُونِ أَلْ: جَاءَتْ فِي قَوْلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ
إلى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ
قُلْت: عَذْرَاءُ، بَلْدَةٌ مِنْ ظَاهِرِ دِمَشْقَ الشَّمَالِيِّ، بِطَرَفِ الْغُوطَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثَنِيَّةِ الْعُقَابِ، وَأَهْلُ الشَّامِ يَنْطِقُونَهَا الْيَوْمَ «عَدْرَا» بِإِهْمَالِ الدَّالِ وَالْقَصْرِ، وَهُوَ مِنْ تَحْرِيفَاتِ الْعَامَّةِ، وَلِقُرْبِ عَذْرَاءَ مِنْ دِمَشْقَ نُقِلَتْ السُّوقُ الْحُرَّةُ إلَيْهَا، وَمَعَ امْتِدَادِ الْعُمْرَانِ قَدْ تُصْبِحُ عَذْرَاءَ حَيًّا مِنْ دِمَشْقَ.
وَقَدْ وَصَفَهَا يَاقُوتُ فَحَدَّدَهَا تَحْدِيدًا دَقِيقًا لِأَنَّهُ رَآهَا، فَقَالَ: وَهِيَ قَرْيَةٌ بِغَوْطَةِ دِمَشْقَ مِنْ إقْلِيمِ خَوْلَانَ مَعْرُوفَةٌ، وَإِذَا انْحَدَرْت مِنْ ثَنِيَّةِ الْعُقَابِ وَأَشْرَفْت عَلَى الْغَوْطَةِ فَتَأَمَّلْت عَلَى يَسَارِك رَأَيْتهَا أَوَّلَ قَرْيَةٍ تَلِي الْجَبَلَ، وَبِهَا مَنَارَةٌ.
أَمَّا ذَاتُ الْأَصَابِعِ وَالْجِوَاءِ فَاتَّفَقَ شَارِحُ السِّيرَةِ وَشَارِحُ دِيوَانِ حَسَّانَ عَلَى أَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ بِالشَّامِ أَيْ قَرِيبٌ مِنْ عَذْرَاءَ، وَلَمْ أَرَ ذِكْرًا لِلْجِوَاءِ إلَّا جِوَاءَ يَقَعُ شَرْقَ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ حَسَّانُ أَيْضًا:
عَفَا مِنْ آلِ فَاطِمَةَ الْجِوَاءُ
فِيمَنٌ فَالْقَوَادِمُ فَالْحِسَاءُ
وَهَذَا لَمْ يَرِدْ فِي دِيوَانِهِ الَّذِي اطَّلَعْت عَلَيْهِ إنَّمَا أَوْرَدَهُ يَاقُوتُ. وَهَذِهِ مَوَاضِعُ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَالشَّمَالِيَّةِ فَلَا يَعْدُو الْأَمْرُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُ الْأَصَابِعِ وَالْجِوَاءِ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ حَسَّانًا أَرَادَ أَنَّ الدِّيَارَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ هَذَا وَعَذْرَاءَ الشَّامِ قَدْ عَفَتْ، أَوْ أَنَّهُمَا مِنْ الشَّامِ كَمَا قَدَّمْنَا.