الْأُرْدُنُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَآخِرُهُ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ، وَلَا يُنْطَقُ إلَّا مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ
جَاءَ فِي النَّصِّ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ - الْيَهُودِيُّ - قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ، وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانُ كَجِنَانِ الْأُرْدُنِّ.
قُلْت: قَبْلَ أَنْ نَصِفَ الْأُرْدُنَّ عَلَى حَالِهِ الْيَوْمَ يَجْمُلُ أَنْ نَذْكُرَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ عَنْهُ، وَأَحْسَنُ مَا جَاءَ فِي كُتُبِ أُولَئِكَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا ذَكَرَهُ يَاقُوتٌ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ: وَهِيَ كُورَةٌ وَاسِعَةٌ مِنْهَا: الْغَوْرُ وَطَبَرِيَّةُ وَصُورُ وَعَكَّا، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ: هُمَا أُرْدُنَّانِ ; أُرْدُنُّ الْكَبِيرِ وَأُرْدُنُّ الصَّغِيرِ، فَأَمَّا الْكَبِيرُ فَهُوَ نَهَرٌ يَصُبُّ فِي بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَبَرِيَّةَ لِمَنْ عَبَرَ الْبُحَيْرَةَ فِي زَوْرَقٍ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا، وَأَمَّا الْأُرْدُنُّ الصَّغِيرُ فَهُوَ نَهَرٌ يَأْخُذُ مِنْ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ وَيَمُرُّ نَحْوَ الْجَنُوبِ فِي وَسَطِ الْغَوْرِ، فَيَسْقِي ضِيَاعَ الْغَوْرِ، وَعَلَيْهِ قُرًى كَثِيرَةٌ، مِنْهَا بَيْسَانُ وَقَرَاوَى وَأَرِيحَا وَالْعَوْجَاءُ، وَغَيْرُ ذَلِك، وَيَجْتَمِعُ هَذَا النَّهَرُ وَنَهَرُ الْيَرْمُوكِ فَيَصِيرَانِ نَهَرًا وَاحِدًا، حَتَّى يَصُبَّ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُنْتِنَةِ فِي طَرَفِ الْغَوْرِ الْغَرْبِيِّ، وَلِأُرْدُنّ عِدَّةُ كُوَرٍ مِنْهَا كُورَةُ طَبَرِيَّةَ وَكُورَةُ بَيْسَانَ وَكُورَةُ بَيْتِ رَأْسٍ وَكُورَةُ جَدْرٍ وَكُورَةُ صَفُّورِيَةَ وَكُورَةُ صُورٍ وَكُورَةُ عَكَّا.
ثُمَّ يُذْكَرُ مِنْ مُدُنِهِ أَيْضًا: أُفَيْقٌ، وَجَرْشٌ، وَقُدْسٌ، وَالْجُولَانُ. فَإِذَا كَانَ الْأُرْدُنُّ إقْلِيمًا كَبِيرًا مِنْ بِلَادِ الشَّامِ يَمْتَدُّ مِنْ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ جَنُوبًا إلَى صُورٍ مِنْ لُبْنَانَ شَمَالًا، وَيَصِلُ إلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ غَرْبًا، وَيَشْمَلُ مِنْ الشَّرْقِ إقْلِيمَ الْبَلْقَاءِ حَيْثُ كَانَتْ جَرْشٌ قَصَبَةَ تِلْكَ الْكُورَةِ.
الْأُرْدُنُّ فِي الْعُصُورِ الْحَدِيثَةِ: كَانَ فِي عَهْدِ الْأَتْرَاكِ مُقَسَّمًا، بَعْضُهُ يَتْبَعُ دِمَشْقَ وَبَعْضُهُ يَتْبَعُ بَيْرُوتَ وَآخَرُ يَتْبَعُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. وَبَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ الْحَرْبُ الْعَالَمِيَّةُ الْأُولَى أَوْزَارَهَا وَأَغَارَ الْمُنْتَصِرُونَ فَاقْتَسَمُوا بِلَادَ الْعَرَبِ غَنَائِمَ حَرْبٍ، تَوَجَّهَ الْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ - الْمَلِكُ فِيمَا بَعْدُ - إلَى بِلَادِ الشَّامِ فَنَزَلَ مَعَانٍ مِنْ أَرْضِ الشُّرَاةِ، فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُؤَسِّسَ إمَارَةً عَرَبِيَّةً جَعَلَ عَاصِمَتَهَا عُمَّانَ، فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْإِمَارَةُ إمَارَةَ شَرْقِ الْأُرْدُنِّ، ذَلِك أَنَّ الْأُرْدُنَّ أَصْبَحَ عَلَمًا عَلَى النَّهْرِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ بُحَيْرَةِ الْحُوَلَةِ وَيَصُبُّ فِي الْبَحْرِ الْمَيِّتِ، وَهَذِهِ الْإِمَارَةُ تَشْمَلُ الْأَرْضَ الْوَاقِعَةَ إلَى الشَّرْقِ مِنْ ذَلِك النَّهْرِ، وَبِالتَّحْدِيدِ: مِنْ الْمَدُورَةِ - سَرْغٌ قَدِيمًا - جَنُوبًا، إلَى الرَّمْثَاءِ - فِي حَوْرَانَ - شَمَالًا، وَمِنْ نَهَرِ الْأُرْدُنِّ غَرْبًا إلَى أَعْمَاقِ صَحْرَاءِ الْعَرَبِ شَرْقًا، وَتَطُلُّ عَلَى رَأْسِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ بِمِينَائِهَا الْوَحِيدِ «الْعَقَبَةِ».
وَبَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ سَنَةَ 1368 هـ 1948 م كَانَ الْجَيْشُ الْأُرْدُنُّيُّ قَدْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى جُزْءٍ كَبِيرٍ وَمُهِمٍّ مِنْ فِلَسْطِينَ، يَشْمَلُ مَدِينَةَ الْقُدْس ِ وَنَابُلُسَ وَجُنَيْنٍ وَالْخَلِيلِ وَأَرِيحَا، وَمُدُنًا كَثِيرَةً أُخْرَى. فَاخْتَارَ أَهْلُ الْقِسْمِ الْمُحَرَّرِ مِنْ فِلَسْطِينَ الِانْضِمَامَ إلَى شَرْقِ الْأُرْدُنِّ فَتَكَوَّنَتْ الْمَمْلَكَةُ الْأُرْدُنُّيَّةُ الْهَاشِمِيَّةُ، وَسُمِّيَتْ مِنْطَقَةُ شَرْقِ الْأُرْدُنِّ الضَّفَّةَ الشَّرْقِيَّةَ، وَسُمِّيَتْ الْمِنْطَقَةُ الْمُحَرَّرَةُ مِنْ فِلَسْطِينَ الضَّفَّةَ الْغَرْبِيَّةَ.
غَيْرَ أَنَّ الْحَرْبَ عَادَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ، أَثَارَهَا مَنْ لَا يَعْرِفُ إمْكَانِيَّاتِهِ وَلَيْسَتْ لَدَيْهِ خِبْرَةٌ بِشُؤُونِ الْعَرَبِ الْيَوْمَ وَقُدُرَاتِهِمْ، فَاحْتَلَّ الْيَهُودُ مَا كَانَ بَاقِيًا مِنْ فِلَسْطِينَ سَنَةَ 1387 هـ 1967 م.
وَظَلَّ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِك وَلَا يَزَالُونَ يَسْتَجْدُونَ الْعَالَمَ وَيُقَدِّمُونَ الِاحْتِجَاجَ تِلْوَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى احْتِلَالِ بَنِي صَهْيُونَ أَرْضَ فِلَسْطِينَ.
إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمِ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.