حرارة الجو
مدخل
...
4- حرارة الجو Air Temperature:
إن دراسة حرارة الجو وتوزيعها العام على سطح الكرة الأرضية لا يمكن فصلها عن دراسة الإشعاع الشمسي وتوزيعه العام، وذلك لأن الإشعاع الشمسي هو المصدر الوحيد لحرارة الجو ولأن توزيع كليهما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجات العرض، إذ إن هذه الدرجات هي التي تحدد الساعات المحتملة لسطوع الشمس، أي طول النهار، كما تحدد الزاوية التي تسقط بها الأشعة على سطح الأرض في الفصول المختلفة. وإلى جانب الدرجات العرضية التي تمثل العامل الرئيسي لتوزيع حرارة الجو على مستوى العالم ومستوى القارات فإن هذا التوزيع يتأثر بعوامل أخرى أهمها توزيع الماء واليابس وتضاريس سطح الأرض.
التوزيع العام بدرجة الحرارة على دوائر العرض
...
4- 1- التوزيع العام لدرجة الحرارة على دوائر العرض:
إن قوة العلاقة بين توزيع الحرارة والدوائر العرضية يمكن إدراكها بوضوح بمجرد مقارنة المعدلات الحرارية العامة على هذه الدوائر بعضها ببعض.
فبالنسبة لزاوية سقوط أشعة الشمس فإنها عند خط الاستواء تسقط عمودية على سطح الأرض تقريبًا في معظم أيام السنة، أما بالقرب من الدائرة القطبية فإن هذه الأشعة تسقط مائلة جدًّا خصوصًا في نصف السنة الشتوي، ومن المعروف أن الأشعة العمودية أقوى من الأشعة المائلة لأنها تتوزع على مساحة أصغر من المساحة التي تتوزع عليها أشعة مائلة بنفس السمك، كما أن الأشعة العمودية تقطع مسافة أقصر في الغلاف الجوي من الأشعة المائلة.
وترتبط كمية الإشعاع الشمسي كذلك ارتباطًا قويًّا بطول النهار الذي يرتبط بدوره بدرجات العرض. فمن المعروف أن النهار يزداد طوله على حساب الليل في فصل الصيف بينما يحدث العكس في فصل الشتاء، وتزداد هذه الظاهرة وضوحًا كلما بعدنا عن خط الاستواء، ولهذا فإنه على الرغم من أن المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من أشعة الشمس عند القطبين صغير في جملته بالنسبة لما يصيبها في العروض الأخرى فإنه يكون في الفترة من أول يونيو حتى منتصف يوليو أكبر منه في أي نطاق عرضي آخر.. ويرجع هذا إلى أن الشمس تستمر ظاهرة طول هذه الفترة دون انقطاع. ولكن ليس معنى هذا أن القطب يكون في هذه الفترة أشد حرارة من العروض والأخرى لأن معظم الحرارة التي تكتسب من أشعة الشمس تستنفد في صهر بعض الجليد الذي يغطي المناطق القطبية بدلًا من أن تعمل على سرعة رفع درجة حرارة الهواء.
ويبين الجدول "4" المعدلات الحرارية السنوية والفصلية على بعض دوائر العرض، ومنه يتبين أن أعلى معدل سنوي للحرارة يوجد على خط عرض 10 ْ شمالًا، وأن أعلى معدل شهري شتوي "في يناير" يوجد على خط الاستواء، بينما يوجد أعلى معدل حراري صيفي "يوليو" على دائرة العرض 20 ْ شمالًا، كما يتبين أن المعدلات السنوية تكون عمومًا أعلى في نصف الكرة الشمالي منها في نصفها الجنوبي. ويبدو هذا واضحًا من مقارنة المعدلات السنوية على دوائر العرض المتقابلة. ويتبين كذلك أن التناقص الحراري العام نحو القطبين يكون صغير في العروض المدارية وسريعًا في العروض العليا، فبينما ينخفض المعدل السنوي من 26.2 ْ عند خط الاستواء إلى 20.4 ْ على دائرة العرض 30 ْ شمالًا، أي بمعدل درجة مئوية واحدة لكل خمس دوائر عرضية، فإنه ينخفض من 20.4 ْ على دائرة العرض 30 ْ إلى 11.4 على دائرة العرض 70 ْ بمعدل درجة لكل 1.25 دائرة عرضية فقط. وتنطبق نفس هذه الملاحظة كذلك ولو بصورة تقريبية على نصف الكرة الجنوبي.
جدول "4" المعدلات الحرارية السنوية والفصلية على بعض دوائر العرض في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي
المصدر: Haurwitz and Austin, op.citp.24
"بعد تحويل الدرجات الفهرنهيتية إلى درجات مئوية".
ويرجع الارتباط القوي بين دوائر العرض وتوزيع الحرارة على سطح الكرة الأرضية إلى أن الزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على الأرض ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجات العرض، كما يرتبط طول الليل والنهار في الفصول المختلفة كذلك بهذه الدرجات.
تأثير الماء واليابس على التوزيع العام لدرجة الحرارة
مدخل
...
4- 2- تأثير الماء واليابس على التوزيع العام لدرجة الحرارة:
على الرغم من العلاقة القوية بين توزيع المعدلات الحرارية على سطح الكرة الأرضية وبين الدوائر العرضية فإن هذه المعدلات لا تتمشى دائمًا مع هذه الدوائر بسبب اختلاط الماء باليابس، وخصوصًا في نصف الكرة الشمالي.
واختلاف تأثر كل منها بالإشعاع الشمسي بدرجة تجعل للمناخ الذي يخضع لتأثير أي منهما خصائص متميزة عن خصائص المناخ المتأثر بالآخر.
ويرجع الاختلاف في تأثير الأشعة الشمسية على الماء واليابس إلى العوامل الآتية:
1- أن الحرارة النوعية للماء تعادل أربعة أمثال الحرارة النوعية لليابس1، وهذا يعني أن تسخين اليابس يكون أسرع من تسخين الماء، ولما كان من المعروف علميًّا أن الأجسام التي تكتسب الحرارة بسرعة تفقدها بسرعة فإن اليابس يبرد كذلك أسرع مما يبرد الماء.
2- أن بعض الأشعة التي تسقط على الماء تستنفد في عمليات التبخر.
3- أن الأشعة التي تسقط على الماء تتعمق فيه وتتوزع على طبقة سميكة منه كما تتوزع في كل الاتجاهات بتأثير الحركة المستمرة للماء.
4- أن ألبيدو الماء أكبر من ألبيدو اليابس، أي أنه أقدر منه على رد الأشعة إلى الفضاء.
ويبدو تأثير الماء واليابس على توزيع درجة الحرارة واضحًا بصفة خاصة على كل من المدى الحراري، وعلى اتجاه خطوط الحرارة المتساوية على مستوى العالم والقارات.
والمقصود بالمدى الحراري Range of temperature هو الفرق بين أعلى وأدنى درجتي حرارة تسجلان خلال اليوم الواحد، أو بين أعلى وأدني متوسطين حراريين يوميين خلال الشهر الواحد، أو بين أعلى وأدني متوسطين أو معدلين شهريين خلال السنة.
والمعتاد في الدراسات المناخية هو حساب معدل المدى السنوي ومعدل المدى اليومي للحرارة للاستفادة بهما في تحديد نوعية المناخ ومدى تطرفه، فكلما صغر المدى السنوي والمدى اليومي، كان ذلك دليلًا على قوة تأثير الماء على المناخ الذي يوصف في هذه الحالة بأنه مناخ بحري Marine Climate ومثال ذلك مناخ الجزر والبلاد الساحلية، وكلما ارتفع المدى السنوي والمدى اليومي كان ذلك دليلًا على قوة تأثير المناخ، الذي يوصف في هذه الحالة، بأنه مناخ قاري Continental Climate وهو عادة مناخ متطرف، بمعنى أنه يكون حارًّا في الصيف وباردًا في الشتاء وحارًا بالنهار وباردًا بالليل، ومثال ذلك، مناخ الصحاري والمناطق الداخلية من القارات.
وتوضح الخريطة شكل "10" توزيع المدى الحراري الفصلي في العالم ومنها يتبين أن هذا المدى عمومًا في نصف الكرة الشمالي "حيث ترتفع نسبة اليابس إلى الماء" عنه في نصفها الجنوبي "حيث تسود البخار" وأنه يبلغ أعلى قيمة له في وسط آسيا حيث يصل إلى 55 درجة مئوية، كما يرتفع كذلك، ولكن بصورة أقل على وسط أمريكا الشمالية، بينما ينخفض انخفاضًا واضحًا على المناطق المقابلة لهما من المحيطين الأطلسي والهادي، وينخفض بصورة أكثر وضوحًا على كل المحيطات الجنوبية وعلى خط الاستواء.
شكل "10"
توزيع معدلات المدى الحراري الفصلي في العالم "بالدرجات المئوية"
ويبين شكل "11" معدلات الحرارة الشهرية في محطتين إحداهما تتميز بمناخها البحري الذي ينخفض فيه المدى الحراري السنوي وهي سنغافورة والثانية تتميز بمناخها القاري الذي يرتفع فيه هذا المدى، وهي وادي حلفا.
وبالإضافة إلى تأثير الماء واليابس فإن كلًّا من المدى الحراري الفصلي والمدى الحراري اليومي يتأثر كذلك بالارتفاع عن سطح البحر، وبوجود الغطاءات النباتية، حيث إن كلًّا منهما ينخفض نسبيًّا على الجبال المرتفعة وفي المناطق المغطاة بالنباتات عنهما في السهول والمناطق الجرداء والمدن
شكل "11"
المعدلات الشهرية لدرجات الحرارة في سنغافورة ووادي حلفا.
وإلى جانب انخفاض المدى الحراري الفصلي في المناخ البحري عنه في المناخ القاري فإن أعلى وأدنى معدلين حراريين شهريين في المناخ البحري يظهران غالبًا متأخرين عنهما في المناخ القاري، وذلك بسب بطء تأثر الماء بارتفاع حرارة الجو وبطء تأثره بانخفاضها بالنسبة لليابس، ولهذا فبينما يظهر أعلى وأدنى معدلين حراريين شهريين في المناخ القاري في شهري يوليو ويناير فإنهما يظهران في المناخ البحري غالبًا في شهري أغسطس وفبراير، وهذا لا ينطبق بطبيعة الحال على الأقاليم الاستوائية التي تكون للحرارة فيها قمتان تتفقان مع الاعتدالين.
ويمكن ملاحظة تأثير الماء واليابس على التوزيع العام لدرجة الحرارة في العالم بمجرد النظر إلى اتجاهات خطوط الحرارة المتساوية على القارات والمحيطات.
وهي الخطوط التي ترسم لتوضيح المعدلات الحرارية الشهرية والسنوية عند منسوب سطح البحر. ففي نصف الكرة الشمالي مثلًا تميل هذه الخطوط للانحراف شمالًا على أواسط القارات في فصل الصيف بسبب اشتداد الحرارة عليها بينما تنحرف جنوبًا على أواسط المحيطات حيث تكون الحرارة أقل منها على اليابس، ويحدث العكس في فصل الشتاء، ومع ذلك فإن توزيع الماء واليابس وحده لا يكفي لتفسير كل التعرجات التي تظهر في خطوط الحرارة المتساوية وخصوصًا على مياه المحيطات المجاورة لسواحل القارات؛ لأن التيارات البحرية الدافئة والباردة لها دور قوي في توجيهها. ويبدو هذا واضحًا بمجرد النظر إلى خطوط الحرارة المتساوية على المحيطات في نصفي الكرة، حيث تبدو الخطوط الحرارية متعرجة تعرجًا واضحًا في نصف الكرة الشمالي بسبب اتساع اليابس، أما في نصف الكرة الجنوبي فإن تعرجها يكون أقل وضوحًا بسبب اتساع المحيطات وضيق اليابس. ولهذا فإن خطوط الحرارة المتساوية في هذا النصف من الكرة تسير موازية تقريبًا لخطوط العرض. ويبدو هذا واضحًا من مقارنة خريطتي خطوط الحرارة المتساوية "الشكلين 12، 13" بخريطة التيارات البحرية "شكل 14".
وإن أقوى التيارات البحرية الدافئة تأثيرًا على خطوط الحرارة المتساوية وعلى مناخ المناطق الساحلية هي: تيار الخليج الدافئ في شمال المحيط الأطلسي، وتيار اليابان "كيروسيفو" المقابل له في شمال غربي المحيط الهادي، وتيار موزمبيق إلى الشرق من جنوب إفريقيا. أما أقوى التيارات الباردة تأثيرًا فهي تيارات لبرادور في شمال غربي المحيط الأطلسي وتيار بنجويلا في جنوبه الشرقي وتيار الكناريا في شرقه وتيار فوكلاند في جنوبيه الغربي وتيار همبولت إلى الغرب من جنوب أمريكا الجنوبية وتيار كاليفورنيا في غرب أمريكا الشمالية
شكل "12" خطوط الحرارة المتساوية لشهر يناير "درجات مئوية"
أثر التيارات على حرارة السواحل
...
أثر التيارات البحرية على حرارة السواحل:
بالنظر إلى خريطة التوزيع التيارات البحرية في المحيطات المختلفة نلاحظ ظاهرتين مهمتين هما:
1- في نطاق الرياح التجارية "على وجه الإجمال" توجد تيارات باردة بجوار السواحل الغربية للقارات بينما توجد تيارات دافئة أو حارة بجوار سواحلها الشرقية.
2- في نطاق الرياح العكسية "الغربية" تنقلب الآية، فبينما تتأثر السواحل الغربية للقارات ببعض التيارات الدافئة فإن سواحلها الشرقية تتأثر ببعض التيارات الباردة، وينطبق هذا بصفة خاصة على نصف الكرة الشمالي بسبب اتساع اليابس وعظم امتداده في العروض العليا.
ولما كانت التيارات الدافئة تعمل دائمًا على تدفئة السواحل التي تمر بها بينما تعمل التيارات الباردة على برودتها، فقد ترتب على الظاهرتين السابقتين أن اختلفت درجة حرارة السواحل الشرقية للقارات عن درجة حرارة سواحلها الغربية التي تقع في نفس العروض، ويظهر هذا بوضوح عند مقارنة السواحل المتقابلة في القارة الواحدة أو السواحل المشرفة علي محيط واحد في القارات المختلفة.
فإذا قارنَّا مثلًا بين أثر التيارات البحرية على حرارة السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي وأثرها على حرارة السواحل الغربية لنفس المحيط نلاحظ ما يأتي:
أولًا: أن السواحل الغربية لإفريقيا وشبه جزيرة أيبيريا أقل حرارة من السواحل المقابلة لها في شرق الأمريكتين، وذلك لمرور تياري الكناريا وبنجويلا الباردين أمام السواحل الأولى، وتياري الخليج والبرازيل الدافئين أمام السواحل الثانية، فبينما يبلغ المعدل السنوي لدرجة الحرارة في داكار Dakar على ساحل السنغال حوالي 24 ْم نجد أنه في فيراكوز Vere Cruz على الساحل الشرقي للمكسيك حوالي 25.3ْ، وذلك على الرغم من أن الثانية أبعد من الأولى عند خط الاستواء بحوالي 4 درجات عرضية، وكذلك في بنانا Banana الواقعة عند مصب نهر الكونغو يبلغ المعدل السنوي 20ْم مقابل 20.6 ْفي برمامبوكو Pernambuco على الساحل الشرقي للبرازيل. وتبدو هذه الاختلافات أوضح ما تكون في فصل الشتاء، ففي شهر يناير مثلًا يكون معدل الحرارة في دكار 20ْم مقابل 22 ْفي فيراكروز، أما في بنانا فيكون 22.4 ْمقابل 24 ْفي برنامبكو1.
وتعمل الرياح التجارية التي تهب على سواحل إفريقية الغربية من الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي بطريقة أخرى على خفض درجة حرارة المياه المجاورة لهذه السواحل؛ لأنها تزيح باستمرار الطبقة السطحية من هذه المياه بعيدًا عن الساحل، فتكشف بذلك المياه التي تحتها وفي أشد برودة منها. وعلى الرغم من وجود التيار الاستوائي الراجع الحار الذي يُعرف باسم تيار غانة فإن أثره في تدفئة الساحل الإفريقي ضعيف جدًّا، ويرجع ذلك إلى ضعفه من جهة، وإلى إزاحة الرياح التجارية للطبقة السطحية من مياهه من جهة أخرى.
ويلاحظ أن الفرق بين الساحلين الشرقي والغربي للمحيط الأطلسي يتناقص تدريجيًّا كلما ابتعدنا عن خط الاستواء نحو الشمال حتى تختفي تقريبًا حوالي خط عرض 30 ْشمالًا2، وهنا نجد أن خطوط الحرارة المتساوية تقطع الساحلين عند خطوط عرض متقاربة جدًّا.
ثانيًا: إلى الشمال من خط عرض 45 ْتنعكس الحالة تمامًا، حيث نجد أن السواحل الغربية لأوروبا أدفأ بكثير من السواحل الشرقية لكندا والولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى تأثير تيار الخليج الدافئ وفروعه على السواحل الأولى، وتأثير تيار لبرادور البارد على السواحل الثانية، وهذا هو السر في أن خطوط الحرارة المتساوية تتجه في هذه العروض "على شمال المحيط الأطلسي" ما بين الشمال الشرقي والجنوب الغربي، ويبدأ الفرق بين الساحلين في الظهور إلى الشمال من خط عرض 30ْ "الذي يتشابه عنده الساحلان تقريبًا كما سبق أن ذكرنا" ومن ثم يبدأ في التزايد تدريجيًّا كلما اتجهنا شمالًا، ويكون هذا الفرق كبيرًا بصفة خاصة في فصل الشتاء، ويتبين ذلك من الجدول رقم "5" الذي يبين معدلات درجات الحرارة لشهر يناير والمعدلات السنوية في بعض البلاد التي تقع على جانبي المحيط، وتتفق في خط العرض تقريبًا.
جدول "5" معدل درجة حرارة شهر يناير. المعدل السنوي في بعض البلاد المتقابلة على الساحلين الشرقي والغربي لشمال المحيط الأطلسي.
وقد ترتب على دفء الجانب الشرقي من المحيط الأطلسي الشمالي عدة نتائج، أهمها أن المياه أمام الساحل الشمالي الغربي لأوروبا لا تتجمد في أي شهر من شهور السنة في أي مكان إلى الجنوب من خط عرض 75ْ، بينما تتجمد مياه الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا في فصل الشتاء حتى خط عرض 50ْ شمالًا، وتتجمد معها مياه نهر سانت لورانس، مما يؤدي إلى توقف الملاحة تمامًا في هذا الفصل، بخلاف الحال أمام الساحل النرويجي الذي يظل مفتوحًا للملاحة طول السنة، وفضلًا عن ذلك فإن جبال الجليد الطافية قد تستمر في تحركها جنوبًا بالقرب من الساحل الشرقي لأمريكا حتى خط عرض 40ْ شمالًا، بينما يندر أن تشاهد بالقرب من السواحل الشمالي الغربي لأوروبا إلى الجنوب من خط عرض 70ْ. وكذلك فيما يختص بخط الثلج الدائم، نلاحظ أنه يقع دائمًا إلى الشمال من خط عرض 80ْ شمالًا أمام الساحل الشمالي الغربي لأوروبا، في حين أنه يصل إلى خط عرض 69ْ أمام الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية.
ثالثًا: نظرًا لأن السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي "إلى الشمال من خط الاستواء" تتأثر بالتيارات الباردة في المنطقة الحارة، وبالتيارات الدافئة في العروض الباردة، فقد ترتب على ذلك أن أصبح تدرج الحرارة على امتداد هذه السواحل بطيئًا جدًّا، أما السواحل الغربية فيختلف الحال عليها عن ذلك تمامًا؛ لأنها تتأثر بالتيارات الدافئة في المنطقة الحارة وبالتيارات الباردة في العروض الباردة، ولهذا السبب نجد أن مناخها أكثر تطرفًا من مناخ السواحل الشرقية، كما أن التدرج الحراري على امتدادها يكون شديد الانحدار جدًّا بمعنى أن الانتقال من المناخ الحار إلى المناخ البارد يأتي في مسافة قصيرة، وقد كان لذلك نتائج اقتصادية مهمة؛ لأنه أدى إلى تعدد الأنواع المناخية التي تساعد على زراعة غلات متباينة في مسافة قصيرة نسبيًّا، فعلى طول الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية مثلًا، نجد أن الحياة النباتية تتدرج في مسافة لا تزيد على 4600 كيلو متر من غلات الأقاليم الحارة في فلوريدا إلى غلات الأقاليم الباردة في لبرادور. وشدة تدرج الحرارة على طول الساحل الأمريكي بهذا الشكل هو السبب الرئيسي في كثرة حدوث التقلبات في درجة حرارة البلاد الواقعة عليه؛ لأن مجرد هبوب الرياح من الجنوب أو الشمال كفيل بأن ينقل الحرارة أو البرودة من المناطق المجاورة.
ومثل هذا التدرج السريع يوجد كذلك في شرق آسيا، ولكنه أقل وضوحًا منه في شرق أمريكا الشمالية لأن تيار اليابان الدافئ "كوروسيفو" أضعف أثرًا من تيار الخليج، كما أن أثر كمتشتكا البارد أضعف من أثر تيار لبرادور.
4- 3 أثر الارتفاع على درجة الحرارة:
عند الكلام على توزيع الحرارة بصفة عامة على سطح الكرة الأرضية أو على إحدى القارات فإن المعتاد هو إغفال أثر التضاريس، ولهذا فإن خطوط الحرارة المتساوية التي ترسم على مستوى العالم ومستوى القارات لا تمثل عادة التوزيع الحقيقي للحرارة على سطح اليابس، ولكن عندما يكون الأمر متعلقًا بالكلام على توزيع الحرارة في أي منطقة من المناطق، وخصوصًا إذا كانت منطقة صغيرة فلا بد أن يؤخذ عامل التضاريس بعين الاعتبار حتى يكون التوزيع مطابقًا للواقع بقدر الإمكان، حيث إن هذا التوزيع هو الذي يؤثر فعلًا في توزيع كل ما في هذه المنطقة من مظاهر بشرية وغير بشرية.
ويمكن توضيح توزيع الحرارة في هذه الحالة بواسطة خطوط الحرارة المتساوية المرسومة على أساس المعدلات الواقعية، وليس على أساس المعدلات بعد تعديلها لتمثيل الحالة عند سطح البحر، وهو ما يتبع في رسم خطوط المعدلات المتساوية على مستوى العالم أو القارات، ونظرًا لأن درجة الحرارة تتناقص بالارتفاع فإن خرائط خطوط الحرارة المتساوية الفعلية تكون متشابهة إلى حد كبير مع خرائط الخطوط الكنتورية.
وكما أن المعدلات الحرارية تتناقص أفقيًّا عبر الدوائر العرضية من خط الاستواء نحو القطبين فإنها تتناقص رأسيًّا على الجبال عبر الخطوط الكنتورية حتى تنخفض إلى درجة التجمد على القمم العالية في العروض المختلفة بما في ذلك العروض المدارية حيث تتغطى هذه القمم بالجليد حيثما يسمح ارتفاعها بذلك، ويظهر عليها مناخ شبيه بمناخ المناطق القطبية.
والمعتاد هو أن تتناقص درجة الحرارة بالارتفاع بمعدل يطلق عليه تعبير "التناقص الرأسي المعتاد لدرجة الحرارة Normal Lapste rate" ومقداره درجة مئوية واحدة لكل 150 مترًا، إلا أن هذا المعدل يتأثر بعوامل مختلفة أهمها رطوبة الهواء وكمية السحب. ففي الرطب يكون معدل التناقص أبطأ منه في الجو الجاف لأن بخار الماء يمتص الحرارة ويساعد على بقائها في الطبقات السفلى من الجو كما أن السحب تساعد على خفض معدل التناقص الحراري الرأسي لأنها تكون بمثابة غطاء يقلل من سرعة انتقال الحرارة من طبقة الجو التي تحتها إلى الطبقات التي فوقها.
ويرجع التناقص الرأسي لدرجة الحرارة عمومًا إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي:
1- تناقص كثافة الهواء وتخلخله مما يؤدي إلى برودته ذاتيًّا.
2- تناقص المواد العالقة به وهي الغبار وبخار الماء وتناقص ثاني أكسيد الكربون، وهي المواد التي تساعد الهواء على امتصاص الحرارة من أِشعة الشمس.
3- الابتعاد عن الإشعاع الأرضي الذي ينطلق من سطح الأرض في موجات طويلة يمكن أن يمتصها الهواء، ويعتبر هذا الإشعاع عاملًا رئيسيًّا في تسخين الهواء لأنه يستطيع أن يمتص موجاته الطويلة بينما لا يستطيع امتصاص الموجات القصيرة للأشعة المباشرة، وخصوصًا إذا كان نقيًّا.
وعند دراسة الحرارة في المناطق الجبلية لا بد من ملاحظة اختلاف نصيب المنحدرات المختلفة من الإشعاع الشمسي مما يؤدي إلى عدم امتداد خطوط الحرارة المتساوية عليها في مستويات واحدة، ففي نصف الكرة الشمالي تكون المنحدرات الجنوبية للجبال أدفأ بكثير من المنحدرات الشمالية في فصل الشتاء، ويحدث العكس بالنسبة لجبال نصف الكرة الجنوبي، ولهذا السبب فإن خطوط الحرارة المتساوية لشهر يوليو مثلًا تكون أعلى على المنحدرات الجنوبية لجبال نصف الكرة الشمالي منها على منحدراتها الشمالية، وينعكس تأثير ذلك على نطاقات الحياة النباتية على هذه المنحدرات.
وبالنسبة للجبال العالية فإن التناقص الحراري يمكن أن يؤدي إلى تغطية قممها أو منحدراتها بالثلوج في فصل البرودة أو طول السنة على حسب الفترة التي تنخفض في أثنائها متوسطات الحرارة إلى درجة التجمد، ويطلق تعبير خط الثلج Snow Line على الخط الذي يتمشى مع الحد الأسفل للثلج المتراكم على المنطقة في أي فترة من السنة. ومن الواضح أن ارتفاع هذا الخط على الجبال يتغير بتغير درجة الحرارة حتى إنه قد يختفي تمامًا في فصل الصيف. وحيثما تبقى الثلوج طول السنة فإن الخط الذي يحدد مناطق بقائها يعرف باسم خط الثلج الدائم، ويختلف ارتفاع هذا الخط من منطقة إلى أخرى على حسب درجة حرارة الجو ورطوبته، ففي الأقاليم الحارة يكون هذا الخط أعلى بالنسبة لسطح البحر منه في الأقاليم المعتدلة والباردة، ويتناقص ارتفاعه كلما اقتربنا من القطبين حتى يصل إلى مستوى سطح البحر فتتغطى الأرض كلها بالثلج الذي تتغطى به كذلك معظم المناطق البحرية. ولكن يلاحظ أن تراكم الثلوج في أي منطقة لا يتوقف على انخفاض درجة حرارة الجو إلى أقل من درجة التجمد فقط بل يجب أن يكون الجو محملًا ببخار الماء اللازم لتكوين الثلوج التي تكفي لتغطية الأرض. ويلاحظ في نصف الكرة الشمالي أن خط الثلج الدائم يكون غالبًا أعلى على المنحدرات الجنوبية للجبال منه على منحدراتها الشمالية بسبب ارتفاع نصيبها نسبيًّا من أشعة الشمس، ويحدث عكس ذلك في نصف الكرة الجنوبي.
4- 4- الانعكاس الحراري:
رغم أن المعتاد هو تناقص درجة الحرارة كلما زاد الارتفاع بمعدل درجة مئوية لكل 150 مترًا. فإن هذا التناقص قد يتوقف، بل وقد ينعكس في بعض الحالات الخاصة، ويطلق على هذه الظاهرة تعبير الانعكاس الحراري. Temperature Inversion، ويوصف التغير الرأسي لدرجة الحرارة عندئذ بأنه تغير رأسي منعكس "أو تناقص رأسي منعكس" Inverted Lapse rate، ويحدث هذا الانعكاس نتيجة لأحد العوامل الآتية:
1- نشاط الإشعاع الحراري من سطح الأرض "الإشعاع الأرضي" في الليالي الصافية مما يؤدي إلى تزايد برودته وإلى برودة الطبقة الهوائية المجاورة له، ويكون الانعكاس واضحًا بصفة خاصة إذا كان سطح الأرض مغطى بالجليد، وهو لا يحدث عادة فوق سطح الماء بسبب بطء تبريده إلا إذا كان منذ البداية أشد برودة من الهواء الذي فوقه.
2- انحدار الهواء البارد من المنحدرات العليا للجبال بسبب ثقله نحو الأودية حيث يتجمع على قاعها بشكل بحيرات من الهواء البارد، ويحدث نتيجة لذلك انعكاس حراري على جوانب الأودية وفي طبقة الهواء التي في وسط الأودية فوق الهواء البارد المتجمع على قاعها.
3- تقابل كتلتين هوائيتين مختلفتي الحرارة حيث يندفع الهواء البارد تحت الهواء الدافئ بسبب ارتفاع كثافته فيحدث انعكاس حراري في الجبهة التي بينهما، ويطلق على هذا الانعكاس اسم انعكاس الجبهات Frontal Inversion ولا يقتصر حدوث هذا النوع من الانعكاس على الطبقات السفلى من التبروسفير إذ إنه يمكن أن يحدث كذلك في المستويات الأعلى عندما يندفع تيار هوائي بارد تحت هواء دافئ أو يندفع تيار دافئ فوق هواء بارد.
4- مرور هواء دافئ على سطح بارد وليكن سطح مائي أو جليدي أو مجرد منطقة باردة من سطح الأرض، ففي هذه الحالة يحدث انعكاس حراري في الطبقة السفلى من الهواء نتيجة لبرودته بالتلامس مع سطح الأرض البارد.
5- هبوط الهواء من كتلة هوائية وانتشاره فوق طبقة هوائية سفلى، ففي أثناء هذه العملية يسخن الهواء ديناميكيًّا ولكن قسمه الأعلى يكون أكثر.
شكل "15"
تغير تناقص درجة الحرارة بالارتفاع في الجو
سخونة من قاعدته. وهذا النوع من الانعكاس الحراري يمكن أن يحدث في المستويات الجوية العالية.
6- في المناطق القطبية يحدث الانعكاس الحراري بسبب ارتداد أشعة الشمس من سطح الجليد، فتكون درجة حرارة الهواء الملامس للجليد أدنى من درجة حرارة الهواء الأعلى، وقد تتزايد حرارة الهواء رأسيًّا لمسافة بضع مئات من الأمتار1.
4- 5- قياس درجة الحرارة:
تستخدم في قياس درجة الحرارة عدة أجهزة تقليدية هي1:
1- الترمومتر العادي.
2- الترمومتر المبلل.
3- ترمومتر النهاية العظمى.
4- ترمومتر النهاية الصغرى
5- الترموجراف.
والوحدات المستخدمة لحسابها هي الدرجات المئوية Centigrade "أو Celsius نسبة إلى اسم العالم الذي اقترحها" - والدرجات الفهرنهيتية Fahrenheit المنسوبة كذلك إلى اسم العالم الذي اقترحها.
والفرق بين النظام المئوي والنظام الفهرنهيتي هو أن درجة التجمد في النظام المئوي هي صفرْ ودرجة الغليان هي 100 ْ، أما في النظام الفهرنهيتي فإن درجة التجمد هي 32 ْودرجة الغليان هي 212 ْ ... وعلى هذا الأساس يكون الفرق بين درجتي التجمد والغليان في النظام المئوي هو 100 ْبينما يكون في النظام الفهرنهيتي 180 ْومعنى هذا أن 100 درجة مئوية تعادل 180 ْفهرنهيتية، أو الدرجة المئوية الواحدة تعادل 1.8درجة فهرنهيتية.
وإلى جانب هذين النظامين يوجد نظام ثالث قليل الاستخدام في الدراسات المناخية، وبمقتضاه تحسب درجات الحرارة العظمى والدنيا المطلقة، ويعرف باسم نظام كلفن Kelvin، وهو يبدأ بالصفر المطلق Absolute Zero ويقصد به أدنى درجة في التدريج الحراري، وهي تعادل -273 ْم، وعندها تتوقف كل حركة حرارية فلا تنخفض درجة حرارة أي شيء إلى أقل منها ويمكن تحويل درجات الحرارة المئوية إلى درجات حرارة مطلقة بإضافة 273 ْإلى قيمتها.. فدرجة حرارة 15 ْم مثلًا تعادل 15 ْ+ 273 ْ= 288 ْمطلقة.
4- 6- التوضيح الكارتوغرافي للحرارة:
بالإضافة إلى خطوط الحرارة المتساوية التي توضح التوزيع الأفقي لدرجة الحرارة عند مستوى سطح البحر على مستوى القارات أو الأقاليم الواسعة، وخطوط الحرارة المتساوية الفعلية التي توضح التوزيع الفعلي للحرارة في مناطق محدودة في المستويات المختلفة، فإن التوزيع الزمني لدرجة الحرارة ومتوسطاتها ومعدلاتها يوضح عادة بمنحنيات يبين بها خط سير النهايات العظمى، والنهايات الدنيا أو متوسطات أو معدلات أي منها في فترات زمنية معينة، هي عادة أشهر السنة.
وبمقارنة منحنيات معدلات النهايات العظمى بمعدلات النهايات الصغرى يمكن استخراج خط سير المدى الحراري في نفس الفترات - شكل "16"
شكل "16"
معدلات النهايات العظمى والصغرى والمدى الحراري اليومي في بعض المحطات الكويتية
__________
1 الحرارة النوعية Specifdheat هي كمية الحرارة التي تلزم لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء بمقدار درجة مئوية واحدة.
1 خطا عرض داكار وفيراكروز هما 39 َ 14 ْو 11 َ 19 ْشمالًا على الترتيب، أما خطا عرض بنانا وبرنمبوكو فهما 6 ْو 8 ْجنوبًا على الترتيب.
2 Austin Miller. A, "Climatology" 4 ed.1944 p.48.
1 حسن أبو العينين - مرجع سبق ذكره - 113
1 ملحق رقم "2" في آخر الكتاب يوضح الدرجات المتقابلة على حسب النظامين