[b]الباب السابع: عناصر البيئة الطبيعية والإنسان
الفصل الأول: مفهوم الجغرافيا البشرية وتطورها
مدخل
...
الفَصلُ الأول: مَفهُوم الجُغرافيَا البشريَّة وتَطوّرهَا
الجغرافيا -علم من العلوم الإنسانية- تعددت الآراء في تعريفه وفي تحديد مجالات البحث فيه وإن كانت معظم الآراء تجمع على أنه يدرس سطح الأرض في تباينه المساحي بوصفه موطنا لبني البشر، وذلك بأسلوب علمي منتظم يقوم على الملاحظة والوصف والشرح والاستنتاج لظاهرات هذا السطح وتوزيعها واستنباط أوجه العلاقات القائمة بينها وبين الإنسان.
وينقسم علم الجغرافيا إلى قسمين كبيرين: الجغرافيا الطبيعية والجغرافية البشرية، ويشمل كل منهما عدة فروع متخصصة تهتم بصورة أعمق بدراسة ظاهرات جغرافية محددة تتطلب لذلك منهجا خاصا ومنفردا وإن كان لا ينفصل عن باقي الفروع بل يتكامل معه في النهاية داخل إطار واحد ذي تفاعلات داخلية بين مكوناته.
وتهتم الجغرافيا الطبيعية بدراسة سطح الأرض: تركيبه ومظاهره التضاريسية والمناخ والغطاء النباتي والحياة الحيوانية وكذلك المسطحات المائية البحرية والمحيطية، أما الجغرافيا البشرية فتتناول دراسة توزيع المجتمعات البشرية ومدى التأثير المتبادل بينها وبين بيئاتها الطبيعية والصور الاجتماعية الناجمة عن تفاعل الإنسان ببيئته المحلية مثل توزيع السكان وأنماط العمران حضريا كان أم ريفيا، كما تشمل دراسة النشاط البشري ومؤثراته وتوزيعها وكذلك التركيب السياسي للدول كظاهرات جغرافية تمثل رقعا من سطح الأرض لها حدودها الاصطناعية وموقعها وإمكانياتها الاقتصادية والبشرية، وما يترتب على ذلك من نتائج سياسية توجهها وتؤثر فيها بالضرورة الظروف الجغرافية السائدة على المستويين الإقليمي والعالمي.
وتتحدد طبيعة الجغرافيا البشرية بدراستها لملامح التفاعل وأوجه التباين والتشابه بين الأقاليم المختلفة في البيئات بعناصرها الطبيعية مثل أشكال السطح والتربة والمناخ والحياتين النباتية والحيوانية وموارد الثروة المعدنية كأساس وقاعدة لفهم العناصر الحضارية Cultural المترتبة عليه والمترابطة معه داخل إطار بيئي محدد وهذا التكامل في دراسة الجغرافيا البشرية يجعل منهجها يعتمد في فهمه وتحليله على العناصر الطبيعية للبيئة الجغرافية حتى يمكن إدراك بصماتها على نشاط البشر بمظاهره المتعددة.
وعلى ذلك فإن الجغرافي في دراسته البشرية يربط كثافة السكان مثلا في أقليم ما بعناصر البيئة الطبيعية لهذا الأقليم مثل التربة وموارد المياه وظاهرات المناخ وغيرها، ثم بعناصر أخرى مثل النظم الاقتصادية السائدة وطرق النقل، كذلك فإنه يلاحظ كيف نمت المدن وتطورت، وعلاقة هذا النمو بملامح البيئة المحلية والعامة وما يترتب على هذا النمو من استغلال للأرض وإنشاء صناعات جديدة ومد طرق للمواصلات تزيد من ربط المدينة بظهيرها وغير ذلك وهو في هذا كله يؤكد مبدأ الارتباط Correlation في الجغرافيا والذي يثمر في فهم العلاقات التأثيرية والتأثرية Cause - Effect بين الإنسان وبيئته وما ينتج عن ذلك من أوجه اتفاق أو اختلاف على مستوى الأقاليم ومكوناتها.
وتختلف الآراء في تعريف الجغرافيا البشرية بصورة لا تتناقض كثيرا مع بعضها البعض بل إنها تدور حول محور واحد هو الإنسان في بيئته، ولكن الاختلاف في الآراء ينبع من التباين في وجهات نظر الجغرافيين إلى الجغرافيا البشرية وفروعها كما يرتبط بنظرة المفكرين القدامى والمحدثين إلى مدى تأثر الإنسان بظروف بيئته الطبيعية وتأثيره فيها. فمنهم من يرى أن لتأثير البيئة على الإنسان تأثير حتمي أي أن الإنسان نتاج البيئة الطبيعية وغير قادر على التأثير فيها وإخضاعها لصالحه، ويقابل ذلك آراء أخرى تجمع على أن الإنسان في بيئته عامل جغرافي وأن تأثيره في هذه البيئة ممكن بما أوتي من قدرة على الابتكار وعلى تعديل ظروف البيئة لصالحه.
تطور الجغرافيا البشرية:
الحتمية الجغرافية Environmentalism:
لم يظهر التخصص واضحا في الفكر الجغرافي عند المفكرين القدامى، فالجغرافيا عند الإغريق هي علم وصف الأرض وكانت مقسمة إلى قسمين كبيرين هما الجغرافيا الفلكية، والجغرافيا الوصفية أو الإقليمية، وكان القسم الأول يتناول دراسة الأرض وأبعادها وموقعها من المجموعة الشمسية وخطوط الطول ودوائر العرض وغير ذلك من الأمور الفلكية، أما القسم الثاني فكان يتناول وصف الأرض وما عليها من بلدان، وكذا الأقاليم المعروفة آنذاك ولم يهمل الكتاب الإغريق أمثال هيبو قراط "القرن الخامس ق. م" وأرسطو "القرن الثالث ق. م" واصطرابون "القرن الأول ق. م" دراسة الأحوال الاجتماعية في البلاد التي تناولوها بالدراسة في كتاباتهم فقد أوضح هيبو قراط المفارقات التي لاحظها بين سكان الأقاليم الجبلية المعرضين للأمطار والرياح والذين يتصفون بالنحافة والشقرة وبأنهم ميالون للسيادة.
كذلك لاحظ أرسطو نوعا من العلاقة بين المناخ وطبائع الشعوب حيث ذكر أن سكان البلاد الأوروبية الباردة شجعان ولكن تنقصهم الهمة لذلك يخضعون للقوي، أما سكان آسيا فهم حكماء مهرة ولكن يعوزهم الحماس لذلك فهم يرحبون بحياة الذل والعبودية أما الإغريق فنظرا لأنهم يعيشون في إقليم يقع في مركز متوسط بين الشمال والجنوب فهم يجمعون بين فضائل أهل الشمال أوروبا وأهل آسيا.
وقد اهتم كثير من الكتاب والفلاسفة المسلمين بدراسة العلاقة بين البيئة وصفات البشر الجسمانية والعقلية ولعل أبرزهم ابن خلدون في مقدمته المشهورة "مقدمة ابن خلدون"، والمسعودي في كتابه "مروج الذهب" والقزويني في "عجائب المخلوقات" ... ولعل الفيلسوف المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون "1382-1405" ميلادية هو أفضل من تناول علاقة السكان بالبيئة في منهج واضح ومحدد ومفصل بل إنه يتفوق في هذا المجال على كتاب عصر النهضة في أوروبا1 وذلك لأنه ربط بين حوادث التاريخ وحقائق الجغرافيا محددا العوامل التي تؤدي إلى قيام الحضارة وازدهارها وتلك التي تؤدي إلى تدهورها -وقد تحدث الباب الأول من المقدمة "عن العمران البشري"- ثم انتقل إلى الحديث عن أثر المناخ في طبائع الشعوب ثم درس البدو والحضر وخصائص كل منهما ودرس بعد ذلك تطور الدول والعوامل المؤثرة في قيامها وانهيارها.
وقد استمر مبدأ الحتمية الجغرافية مسيطرا على الفكر الجغرافي بعد ذلك ويعتبر بودان Bodin 1530-1596 من كتاب عصر النهضة الذين اعتنقوا هذا المبدأ، حيث ربط بين طبائع الناس والمناخ وكتب محاولا تحديد شكل الحكومة أو الجمهورية وذاكرا أنه ينبغي أن يتطابق مع صفات البشر المتنوعة وذلك لأن أهل الأقاليم الشمالية الباردة قساة مخاطرون، بينما يتصف أهل الأقاليم الجنوبية الحارة بالمكر والأخذ بالثأر أما أهل الأقاليم المعتدلة المناخ فأكثر فطنة من أهل الشمال وأكثر نشاطا من أهل الجنوب ويختصون دون غيرهم بالقدرة على القيادة.
وقد حاول مونتسكيو Montesquieu -بعد بودان بقرن من الزمان- في كتابه "روح القوانين" أن يربط بين المناخ والتربة من ناحية وطبائع السكان وصفاتهم من ناحية أخرى، وقد اعتبر الإنسان كائنا فردا أو وحدة طبيعية تقابله قوتان كبيرتان هما الأرض -أو التربة- والمناخ، ولم يكن المناخ عنده سوى الحرارة فهو إما حار أو بارد أو معتدل، والأرض أو التربة في نظره إما أن تكون خصبة أو مجدبة ومما قاله في ذلك "إن سكان المناطق الباردة أكثر قوة وشجاعة وأقل ريبة ومكرا من سكان المناطق الحارة الذين يتصفون بالوهن الجسماني والسلبية" أما التربة فأثرها عنده أقل من المناخ ومع ذلك فأثرها واضح في شكل الحكومة فالملكيات توجد عادة في المناطق ذات التربة الخصبة بينما تقوم الجمهوريات في الأراضي الفقيرة.
وقد توصل مونتسكيو إلى استنتاجات خاطئة في دراسته للعلاقة بين البيئة والإنسان مثل علاقة المناخ الحار بالاستعباد والرق أو علاقة البرودة بالشجاعة أو أثر المناخ في ركود عادات الشعوب الشرقية وتعقد معتقداتها. وقد ظلت هذه الأخطاء عالقة في الأذهان بعد ذلك حتى القرن العشرين لدى البيئيين المحدثين بين ما لديهم من معلومات علمية عن المناخ وبين ما ورثوه من آراء مونتسكيو مما أدى إلى استنتاجات سطحية متناقضة تبدأ بالإنسان وتنتهي به دون الاهتمام بالأرض التي يحيا عليها، أي إن هؤلاء الكتاب الذين تأثروا بآراء مونتسكيو نظروا إلى المجتمعات البشرية والبيئة الجغرافية وربطوا بينها بعلاقات سببية دون سابق دراسة أو تحليل ومن ثم فكان هدفهم هو التبرير لا التعليل ومن هنا جاء خطؤهم.
ويرجع الفضل لهمبولت ورتر في وضع أسس الجغرافيا فقد أكد مبدأ الارتباط بين العناصر الثلاثة الكبرى: الهواء والماء والأرض في تفسير الحقائق وتطورها ومركباتها من ناحية وتوزيع الظاهرات وانتشارها في إطار مكاني من ناحية أخرى وكان لدراسات "ورتر" دور في استفادة الجغرافيا من العلوم الأرضية والعلوم الإنسانية حيث ارتبطت الجغرافيا بعلوم الجيولوجيا والنبات والمتيورولوجيا "المناخ" والتاريخ والديموغرافيا "علم السكان" والإحصاء وغيرها.
ولم تجد هذه الآراء العلمية الخالصة في العلاقات بين الإنسان وبيئته من يرددها وسط تيار من الحتمية شديد وعلى الأخص بعد ظهور نظرية دارون في القرن التاسع عشر والتي ذكرها في كتابه "أصل الأنواع" Origin Of Species سنة 1859 حيث تفسر هذه النظرية العلمية تطور الكائنات تفسيرا طبيعيا وتبين أن العلاقة بين الكائن الحي والبيئة هي علاقة ملاءمة وتكيف وأن هذه الملاءمة علمية مادية حتمية لا يملك الكائن الحى إزاءها شيئا بل إن البيئة تختار الأفراد الذين تتلاءم صفاتهم مع ظروفها اختيارا طبيعيا وتترك غيرهم للفناء، وأن البقاء للأصلح "ملاءمة مع البيئة" التي اعتبرها دارون قوة عارمة تشكل الكائنات الحية حسب ظروفها الطبيعية.
ولقد حاول بعض علماء الاجتماع وبعض الفلاسفة أمثال لبلاي Leplay وديمولان Demolin أن يؤكد مبدأ الحتمية الجغرافية البيئية، حيث رأى الأول أن البيئة تحدد نوع العمل، وأن العمل يحدد ولو جزئيا نظام المجتمع وقد ينطبق ذلك على العمل الزراعي بينما يختلف الأمر اختلافا جوهريا عن العمل داخل المدن الذي يعتمد على السكان اعتمادا رئيسيا ولا تحدده البيئة الطبيعية كما هو الحال في الريف مثلا الذي ترتبط حياته بالظروف الطبيعية ارتباطا كبيرا.
أما ديمولان فقد كتب مؤلفه "كيف خلق الطريق النمط الاجتماعي 1901
-1903"، والذي أكد في مقدمته أن العامل الأول لتباين السكان المنتشرين على سطح الأرض هو الطريق الذي تسلكه الشعوب وهو الذي خلق الجنس والطراز الاجتماعي معا وذكر في الجزء الثاني من كتابه أنه لو أعاد التاريخ نفسه فلن يتغير فيه شيء لأنه سيكون استجابة لنفس مقتضيات البيئة الطبيعية.
ويعتبر فردريك راتزل Ratzel الألماني مؤسس علم الجغرافيا البشرية في العصر الحديث ويعد كتابه "جغرافية الإنسان" Anthropogeoraphy من أشهر مؤلفاته، حيث تناول بالدراسة في جزئيه الأول والثاني "1882، 1891" ثلاثة موضوعات رئيسية هي:
1- أنماط توزيع البشر على أساس العدد والسلالة والقومية واللغة والدين.
2- شرح وتفسير هذه التوزيعات بالرجوع إلى عناصر البيئة الطبيعية.
3- النتائج المباشرة للبيئة على الأفراد والمجتمع.
وكانت البيئة عنده طبيعية بحتة حيث أسهب في الحديث عن دور الأنهار والجبال والجزر والسواحل والصحاري في النشاط البشري.
وقد حاول في هذا الكتاب أن يضع حدودا للمعمور واللامعمور من حيث علاقتها بالطرق والمواقع الطبيعية ودرس العوامل التي تتحكم في توزيع الإنسان وتطوره حضاريا فذكر أن المناخ يحدد المراكز الكبرى للحضارة في المنطقة المعتدلة وأن الجبال تقوم كتخوم وملاجئ ولم يحدث إلا نادرا أن وقفت عقبة في سبيل الإنسان وأن المسطحات المائية أهم العقبات في طريق الرجل البدائي بيد أنها تعتبر أهم الطرق الطبيعية عندما يتقن الإنسان فن الملاحة أما الأنهار والمستنقعات فتقف في طريق التوسع وإن كانت المستنقعات تصلح كمناطق لجوء واحتماء مثلها في ذلك كمثل الغابات تعيش في وسطها جماعات سكانية مختلفة.
وقد أعقب راتزل كتابه هذا بكتاب آخر عن الجغرافيا السياسية ودرس فيه الدولة على ضوء علاقتها بالبيئة وأساسها الطبيعي -أي دراسة الدولة كما هي واقفة في المكان- "وهو الأساس الثابت لأماني الشعوب وآمالها وأمزجتها المتغيرة وهو الذي يحكم مصير الأمم حكما صارما أعمى" وقد اعتبر الدولة كائنا حيا في حركة دائمة يمتد في المكان حتى يبلغ حدوده الطبيعية ثم يتعداها إن لم يجد من جيرانه مقاومة قوية ترده إلى حدوده، والدوافع إلى التوسع تتمثل في كسب الأرض وغزوها لخلق دولة كبرى أما المجتمعات البشرية فتنمو داخل إطارات طبيعية تحتل مواضع معينة من سطح الأرض ومن هنا جاء ارتباط كل مجتمع بمنطقة معينة تتزايد حتما في مساحتها كلما زاد عدد سكانها وتظل تتسع حتى تصطدم بموانع طبيعية وبشرية ولقد كان هذا المبدأ التوسعي أساسا من أسس الجيوبوليتكا Geopolitics الألمانية التي ازدهرت بتشجيع من النازية في الثلاثينات من هذا القرن.
وقد تعرضت آراء راتزل في حتمية تأثير البيئة على الإنسان لمعارضة شديدة من قبل بعض علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ فقد أنكر دوركايم Dorkeim على راتزل دراسته لكل تأثيرات البيئة الطبيعية في الحياة الاجتماعية ولعل لوسيان فيفر Lucien Febvre هو أعنف من هاجم الحتميين في كتابه La Terre Et L'evolution والذي عالج فيه منهج علم الجغرافيا وفلسفتها وقدم الأدلة على سطحية الآراء الحتمية واستنتج فيفر من دراساته أنه لا توجد ضرورات وإنما توجد في كل مكان ممكنات والإنسان سيد هذه الممكنات وهو الذي يقضي باستعمالها، وهكذا ظهر مبدأ الإمكانية Possibilism في الجغرافيا.
وبالرغم من ذلك فإن الدور الذي قام به راتزل في علم الجغرافيا البشرية يضعه رائدا من روادها -ذلك لأنه شرح موضوعاتها على أساس أصولي لم يسبقه إليه أحد- كما كانت دراساته لأنماط الحياة أساسا اعتمد عليه من جاء بعده ومنهم فيدال دي لابلاش Vidal De La Blache رائد الجغرافية الفرنسية الحديثة عند تعرضه للجغرافية البشرية بالبحث والدراسة.
وتعتبر مس إلين سمبل E.Simple أهم تلاميذ راتزل الحتميين وقد أعادت كتابة الجغرافيا البشرية بشكل أكثر تنظيما في كتابها "مؤثرات البيئة الجغرافية، في سنة 1911".
وتؤكد "مس سمبل" أثر العوامل الجغرافية على الإنسان وتقسمها من حيث تأثيرها عليه إلى أقسام ثلاثة:
- عوامل جغرافية ذات تأثير مباشر على الإنسان مثل المناخ وأثره على لون الجلد والصفات الجسمانية.
- عوامل جغرافية ذات تأثير غير مباشر مثل الموقع الجغرافي وعامل القرب من مراكز الحضارة وعامل العزلة، وهذه تؤدي إلى التقدم الحضاري أو التأخر فالجهل.
- عوامل جغرافية تؤثر في النمو الاجتماعي والاقتصادي للإنسان، أي أثر الجغرافيا في مقومات الإنتاج الزراعي والمعدني في الإقليم ومن ثم درجة غناه أو فقره.
وصفوة القول: إن دعاة الحتمية الجغرافية -أو البيئيين- قد غالوا في آرائهم غلوا شديدا وجعلوا الإنسان عبدا للبيئة تؤثر فيه وتسيره كما تشاء ولقد ظل هذا المبدأ الجبري سائدا في الفكر الجغرافي حتى القرن التاسع عشر على الرغم من أنه كان قرن هجرات بشرية ضخمة ونشاط استعماري كبير وظهر فيه بجلاء التغيير البيئي الذي أحدثه الإنسان في المناطق المعمورة وخاصة في العالم الجديد.
الإمكانية الجغرافية Possibilism:
يعد بول فيدال لابلاش P. Vidal De La Blache رائد الإمكانية الجغرافية التي ترى أن الإنسان ليس عبدا لبيئته كما تنادي المدرسة الحتمية حيث إنه يختار من بين إمكانياتها ما يشاء تبعا لمستواه الحضاري ولذا فإن أنماط النشاط الاقتصادي على سطح الأرض هي نتائج لتفكير الإنسان ومجهوده وحركته الدائبة في إطار بيئته الطبيعية.
وقد كتب فيدال دي لابلاش أعظم كتاب له في الجغرافيا البشرية لفرنسا والذي نشر في سنة 1911 وقد شرح فيه جغرافية فرنسا إقليما بأقليم وأوضح كيف أن المظهر الأرضي قد تأثر عبر القرون نتيجة الجهد البشري الذي لعب دورا هاما في تاريخ فرنسا بل وفي تاريخ أوروبا بأسرها وقد رأى فيدال أن الجغرافيا البشرية هي دراسة المجتمعات الإنسانية دراسة مقارنة واتجه نحو دراسة الفروق بين هذه المجتمعات في ضوء علاقاتها بالبيئة.
وفي كتابه عن مبادئ الجغرافيا البشرية Principles De Geogr. Humainc "1925" درس فيدال كثافة وتوزيع السكان وأشكال العمران ووسائل الإنتاج ثم المواصلات وذكر بأن هذه الدراسة يمكن تناولها لسببين جوهريين يرجع أولهما إلى التوسع في المعارف البشرية الجغرافية حتى نهاية القرن التاسع عشر وثانيهما يعود إلى ذلك الترابط المعقد بين الإنسان وبيئته ومن ثم تتوطد فكرة الارتباط البيئي - البشري وقد تجلى ذلك في الأفكار الجغرافية الحديثة والتي تجمع على أن ظواهر الجغرافيا البشرية ترتبط في كل مكان بالبيئة وعناصرها الطبيعية.
وقد حدا هذا الارتباط لدى فيدال دي لابلاش بتأكيده لمبدأ الوحدة الأرضية كمبدأ أساسي في الجغرافيا تفسر من خلاله ظاهراتها البشرية، كذلك أبرز دور التفاعل البيئي - البشري في ذلك النطاق الواسع من العالم القديم شمال مدار السرطان والذي شهد أشكالا مبكرة من حضارات على نطاق كبير دون غيره من أقاليم الأرض الأخرى حيث كان هذا التفاعل خلاقا لإمبراطوريات أخرى كبرى ولأديان عظمى تتمثل في الإسلام والمسيحية والهندوكية والبوذية وغيرها.
وباختصار فقد وضع فيدال لابلاش مناهج بحثه العلمي القائم على أساس أن الجغرافيا هي علم المكان وليس علم الإنسان ولها وهي تستمد معينها كغيرها من العلوم من الكون أن تستفيد من نتائج العلوم الطبيعية الأخرى ولكن عليها رسالة خاصة وهي أن تبين كيف أن الظاهرات الطبيعية والإنسانية التي تدرسها العلوم الأخرى منفصل بعضها عن بعض تتحد في المكان وتؤثر في الإنسان وتتأثر به وبعبارة أخرى تدرس الظاهرات الطبيعية في وحدتها المكانية.
ويعد مكسمليان سور m.sorre أحد تلامذة فيدال دي لابلاش البارزين الذي أنجز عملا ضخما في الجغرافيا البشرية ظهر في ثلاثة مجلدات ظهر الأول منها في سنة 1943 والأخير في سنة 1952 وذلك تحت عنوان: "أسس الجغرافيا البشرية" fondoment de la geogr. Humaine
ويعد من أبرز الدراسات الجغرافية في المدرسة الفرنسية الحديثة وقد كرس الجزء الأول من هذه المجموعة لدراسة الإنسان ككائن يتكيف ويتلاءم مع ظروف بيئته الطبيعية وقد تعرض فيه لدور المناخ على وظائف أعضاء الجسم وكذلك على أصل وظائف الاختلافات الجنسية بين الأجناس ثم درس العلاقة بين الإنسان والأمراض البيئية في ذلك. أما الجزء الثاني من كتابه "في جزئين" فقد كرس لأساليب الحياة الاجتماعية حيث وضع الإنسان في صدر الصورة بكل ما أوتي من قوى الابتكار في قهر الطبيعة وتحويلها إلى ما يعرف بالأكيومين okumene أو النطاق المعمور من الأرض.
وليست الوحدة الأرضية عند كل من فيدال دي لابلاش وسور إيكولوجية فحسب بل إنها تطورية كذلك؛ ذلك لأن المجتمع البشري قد استمد تعقيده وتشابكه من ظروف بيئته عندما تخطت مجموعات من البشر حدود الأكيومين أو العالم المعمور فإنهم وسعوا تلك الحدود وبدأوا في استغلال الموارد الاقتصادية في المناطق التي تم كشفها، كما كان الحال في عهد الكشوف الجغرافية فيما بين سنتي 1500، 1900 وإلى حد قليل من القرن العشرين وعندما تطورت وسائل النقل في العصر الحديث تحققت الوحدة الأرضية بصورة أوضح في انتشار المعرفة والتشابك الاقتصادي بين دول العالم.
وقد ذكر هنتنجتون "1934" في كتابه مبادئ الجغرافيا البشرية principles of Human Geography مغزى الجغرافيا البشرية ومرماها حيث اتجه إلى دارسة العلاقات الإنسانية البيئية عن طريق دراسة العوامل الطبيعية المختلفة مثل الموقع ومظاهر السطح والتربة والمناخ ثم بعد ذلك الحياة الاقتصادية للإنسان ودرجة التحضر التي وصل إليها في مجتمعاته المختلفة وقد درس مناطق متعددة في الأراضي الحارة والأراضي الموسمية والصحاري والأقاليم الباردة وكذلك أقطار المناخ المعتدل البحري، والتي ذكر أن هذه الأقطار الأخيرة حبتها الطبيعة بعوامل جعلتها في قمة مراتب الحضارة الحديثة في العالم، وفي دراسته التي قام بها كانت الحقائق الجغرافية ترتبط بعضها ببعض في تسلسل منطقي وإن كانت مجردة من النظرة التاريخية الضرورية لتفسير الحاضر وكأن كل مظاهر الحضارة الحالية نشأت دون تراث تاريخي ترتكز عليه ولذلك فإن العمران وأشكاله المتباينة لم يحظ باهتمام كبير في الجغرافيا البشرية والتي لا تقيم وزنا لحرية الاختيار بين الفرص المختلفة التي تقدمها ظروف البيئة الطبيعية وتلك الحرية التي منحتها الطبيعة للفرد دائما حتى في المجتمعات البدائية.
وقد عارض هذه الآراء الأمريكية جغرافي ألماني هو أوتومول O. Maul والذي نشر في الثلاثينات أبحاثا في الجغرافيا البشرية ففي كتابه عن جغرافية الإنسان Geography of Man حذف الجغرافيا الاقتصادية تماما، وركز حديثه على موضوعين رئيسيين هما أجناس الإنسان مع الإشارة إلى ظروف تأقلمه والأمراض التي تصيبه ثم الجغرافية السياسية وخاصة الدولة وتركيبها وتعكس هذه الأفكار مفهوم الجيوبوليتيكا الألمانية فيما قبل الحرب العالمية الثانية أي دراسة الدولة ووظائفها لتحقيق ما يعرف بالمجال الحيوي لها وكذلك استطرد في الحديث عن أن طبيعة الدول وامتداد رقعتها الجغرافية وإمكانية التوسع لها والقوى المساعدة على هذا التوسع ومستقبلها كل ذلك يدخل في عداد الجغرافيا البشرية.
أما في فرنسا فقد اتجهت الجغرافيا البشرية اتجاها معارضا للمادية الأمريكية والأيديولوجية الألمانية فقد ركز ألبرت ديمانجون أحد الجغرافيين الفرنسيين البارزين على توسيع آفاق الجغرافيا البشرية والارتباط بينها وبين التاريخ والعلوم الاجتماعية أكثر من ارتباطها بالعلوم الطبيعية ولذا فقد اهتم بدراسة الكثير من المشكلات في الجغرافيا البشرية معتمدا على الدراسات الاجتماعية والإثنوغرافية والاقتصادية والتاريخية لغيره من الباحثين.
وليس من السهل أن تنحصر الجغرافيا البشرية في علم البيئة "الإيكولوجيا" فقط ذلك لأن هناك كثيرا من مظاهر العلاقة بين البيئة الطبيعية والإنسان تخرج عن دائرة الاهتمام الجغرافي فعلى سبيل المثال ذكر ديمانجون أنه ليس من شأن الجغرافي دراسة أجناس الإنسان بالرغم من ارتباط بعض الأجناس البشرية بمجال البحث الجغرافي في بعض مظاهر الوراثة ولا تسود المؤثرات البيئية والتي يمكن ملاحظتها في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء وحتى علم الدم عند بعض الجماعات البشرية ومن بين هذه الملامح والوراثة التي تعد مستقلة عن البيئة - لون البشرة، وذكر ديمانجون أن مهمة الجغرافي ليست التعامل مع ذلك بل إن الجغرافيا البشرية هي في النهاية دراسة المجتمعات البشرية وعلاقتها بالبيئة.
والجغرافيا البشرية على ذلك تدرس المجتمعات لا الأفراد وذلك في المجالات الثلاثة الآتية:
1- دراسة الجنس البشري: أعداده وتوزيعه والاختلافات في مجال الجغرافيا الديموغرافية- والتي تعد فرعا هاما من فروع الجغرافيا البشرية.
2- دراسة استغلال الأرض وشغلها بواسطة المجتمعات البشرية وذلك ابتداء من أكثر المحلات العمرانية تواضعا حتى أكثر المدن تعقيدا كعنصر هام.
3- دراسة استخدام الموارد الطبيعية: مثل استغلال النطاقات المناخية الكبرى في العالم بما تحويه من نباتات مزروعة وحيوانات مستأنسة وكذلك استغلال البحار والجبال ودراسة أقاليم الإنتاج الكبرى في العالم وطرق التجارة والنقل، وبمعنى آخر دراسة ما يعرف بالجغرافيا الاقتصادية كفرع هام من فروع الجغرافيا البشرية وانعكاس ذلك كله على أقدار الدول وعلاقاتها فيما يعرف بتحليل القوة السياسية للدولة فيما يعرف بالجغرافيا السياسية.
ومع كل ذلك -كما تعود ديمانجون أن يقول- فإن الحقيقة الجغرافية تظل مجردة عن معناها حتى توقع على الخريطة ومن ثم تصبح ذات مغزى قوي وخاصة في علاقاتها بالظاهرات الجغرافية الأخرى ومعنى ذلك أن إظهار الحقيقة الجغرافية على الخريطة يعطي للبحث الجغرافي البشري أساسا قويا ومستندا هاما في تحليله.
وأخيرا فإن الجغرافيا البشرية بعكس العلوم الاجتماعية الأخرى لا تقنع بدراسة الحقائق المشاهدة فقط بل تستدير للتاريخ لتستكشف المظهر الأصلي والتطور التاريخي للحقائق ولعل في دراستها للعمران الحضري والريفي ما يعكس هذا الأسلوب؛ وذلك لأن الجغرافيا تستقي التفسير في تاريخ العمران وتطوره، كذلك فإن دراسة بيئة من البيئات في دولة قديمة تأثرت بالحضارة الأوروبية ليس من اليسير فهمها دون معرفة تاريخ استغلال الأرض وتطوره وإزالة الغطاء النباتي الأصلي بها ومدى التطور الذي طرأ على أساليب الزراعة من عصر لآخر وانعكاس ذلك كله على التغير الاجتماعي الذي طرأ على السكان والذي لا شك قد تأثر بالاحتكاك الحضاري والهجرة والتي لا يمكن اقتفاء آثارها على أرض الواقع فقط ولكن في التاريخ كذلك.
وعلى ذلك فإن الجغرافيا البشرية علم يتطلب البحث المتأني وليس التعميم المتعجل وهي لا تسعى إلى سن قوانين تحكم علاقة البشر ببيئتهم بل تعيد تجميع الحقائق وترتيبها تمهيدا لمقارنتها في أقاليم الأرض المختلفة ثم تصل في النهاية إلى تحليل جزئي وحذر للحقائق الجغرافية دون أن تضع فروضا تحدد شكل النتائج.
الفصل الثاني: عناصر البيئة الطبيعة والإنسان
المناخ والإنسان
مدخل
...
الفَصلُ الثَّاني: عَنَاصِر البيئة الطَّبيعّية والإنسَان:
أولا- المناخ والإنسان:
يعد المناخ من العناصر الطبيعية البارزة التي تؤثر على النشاط البشري وتطوره؛ ذلك لأنه العامل الرئيسي الذي يكون الحياة النباتية ويحدد مظاهر الارتباط النباتي والحيواني في البيئة الطبيعية، ولذا فإن النطاقات المناخية الرئيسية على سطح الأرض تكون الإطارات الرئيسية التي تتمثل بها أوجه النشاط البشري.
وتعتمد طبيعة الغطاء النباتي على ظروف درجات الحرارة وقد أثبت علماء الزراعة أن لكل نبات حد أدنى من درجات الحرارة "صفر النمو" يتوقف نموه إذا هبطت الحرارة عن هذا الحد كذلك فإن هناك درجة حرارة مثلى يكون النبات في أقصى درجات حيويته أثناءها، ولذا فإن صفر النمو والحرارة العالية يعتبران من العوامل المحددة لنمو النبات في البيئات الطبيعية المختلفة، وبالرغم من جهود علماء النبات في انتخاب أنواع من الزراعات تقل احتياجاتها الحرارية ومن ثم يتسع مدى زراعتها نحو الشمال القطبي كما هو الحال في الزراعات السوفيتية إلا أن درجات الحرارة ما زالت العنصر المناخي الرئيسي المحدد للقطاعات الزراعية في العالم فالحد الشمالي مثلا للأقاليم التي ينمو بها نخيل البلح يتمشى تماما مع الخط الحراري 65 درجة فهرنهيت "19 درجة مئوية" كذلك فإن العامل الرئيسي في تحديد زراعة الكروم هو درجة حرارة الصيف ذلك لأن العنب ينضج فقط في تلك الأقطار التي يزيد متوسط درجة الحرارة بها عن 59 درجة فهرنهيت "15 درجة مئوية" في الفترة من أبريل حتى أكتوبر، وتتأثر النباتات بدرجات الحرارة أكثر من تأثر الحيوانات بها ومع وجود استثناءات قليلة فإنه من المستحيل اليوم أقلمة النبات في أماكن يكون النظام الحراري بها مختلفا عن مثيله في البيئة الأصلية للنبات.
ويؤدي تتابع الفصول إلى تنظيم دورة الحياة النباتية ووجود مهن وتحركات سكانية مترتبة عليها حيث يرتبط بذلك العمل الزراعي تبعا لأوقات نمو النبات المختلفة وتخضع حركة الرعاة من وإلى المرتفعات الجبلية عبر السهول الدنيا لدورة التغير في الحياة النباتية هي الأخرى.
ولما كانت درجات الحرارة هي العنصر الحيوي في توزيع النباتات فمن الواضح أن نموها يعتمد بالدرجة الأولى على كمية الإشعاع الشمسي خلال السنة أو بمعنى آخر على عدد الأيام الدفيئة، ومن هنا فإن الأقاليم المناخية الكبرى وهي الباردة والمعتدلة والحارة ذات مغزى كبير في جغرافيا النباتات.
وتتأثر درجة الحرارة بعدة عوامل أبرزها موقع المكان بالنسبة لدوائر العرض Latitude وارتفاع المكان عن سطح البحر ثم الموقع بالنسبة للبحار والمحيطات ويعد الموقع الفلكي "بالنسبة لدوائر العرض" المؤثر في تحديد الزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على سطح الأرض وكذلك في تحديد طول الليل والنهار في فصول السنة المتعاقبة فعند خط الاستواء تسقط أشعة الشمس عمودية على الأرض في معظم أيام السنة، أما بالقرب من الدوائر القطبية فإن هذه الأشعة تسقط مائلة جدا وخاصة في نصف السنة الشتوي ويترتب على ذلك أن يكون المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من الأشعة عند خط الاستواء أكبر منه في العروض الأخرى ويزداد الفرق كلما بعدنا عن خط الاستواء حتى إن نصيب البلاد الواقعة عند دائرة عرض 40 درجة شمالا أو جنوبا يعادل 3/4 نصيب البلاد الواقعة عند خط الاستواء1.
كذلك فإنه يلاحظ أن ما تستفيده الأرض من أشعة الشمس يتوقف على طول النهار الذي يتوقف بدوره على الموقع بالنسبة لدوائر العرض، فمن الثابت أن طول النهار يزداد على حساب الليل في فصل الصيف والعكس في فصل الشتاء، وتزداد هذه الظاهرة بوضوح بالابتعاد عن خط الاستواء ولهذا فإنه على الرغم من أن المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من أشعة الشمس عند القطب صغير في جملته بالنسبة للعروض الأخرى فإنه يكون في الفترة من أول يونيه إلى منتصف يوليه أكبر منه في أي منطقة أخرى في العالم ويرجع هذا إلى أن الشمس تستمر ظاهرة طول هذه الفترة دون انقطاع، ولكن ليس معنى ذلك أن القطب يكون في هذه الفترة أشد حرارة من أي بقعة أخرى؛ وذلك لأن معظم الحرارة المكتسبة من الشمس تستنفد في صهر طبقات الجليد السميكة التي تغطي المناطق القطبية بدلا من أن تعمل على سرعة رفع درجة حرارة الهواء1.
وعلى ذلك فإن النهار يتزايد بالاتجاه نحو القطبين حيث يصل طوله إلى 14 ساعة و 34 دقيقة عند دائرة عرض 40 درجة، 15 ساعة و 45 دقيقة عند دائرة عرض 50 درجة و 17 ساعة و 44 دقيقة عند خط عرض 60، أما عند دائرة عرض 68.30 درجة فيصل إلى 24 ساعة في الصيف، ويسرع الضوء من نمو النباتات في المناطق الباردة فعلى سبيل المثال فإن الشعير الربيعي ينضج في مائة يوم وسبعة أيام في جنوب السويد بينما يحتاج إلى 89 في اللابلاند Lapland وذلك بالرغم من انخفاض الحرارة في المنطقة الأخيرة، ويرجع ذلك إلى طول فترة الإشعاع بها. كذلك فإن القمح الربيعي يحتاج في منطقة الإلزاس عند دائرة عرض 48.30 درجة إلى مدة قدرها 145 يوما بين البذر والحصاد في الوقت الذي يحتاج فيه فقط إلى 114 يوما في منطقة سيكبوتن Skibotten عند دائرة عرض 69.30 درجة شمالا، ويمكن تفسير هذا الفرق في طول فترة الإنبات إذا أدركنا أن فترة الإلزاس وهي 145 يوما تكون جملة ساعات النهار خلالها 1795 ساعة مقابل 2486 ساعة في فترة الـ 114 يوما في منطقة اللابلاند وعلى ذلك فإن طول فترة الضوء في المناطق القطبية تعوض من نقص الموسم الدفيء بها وقد أدرك الزراع في كل من الاتحاد السوفيتي والشمال الكندي ذلك في محاصيلهم التي يزرعونها في فصل النمو.
المناخ وجسم الإنسان:
يتأثر الإنسان -ككائن حي- بعناصر المناخ وأهمها الضغط الجوي والإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة والرطوبة والرياح، ويعد التغير في الضغط الجوي أقل أهمية بالمقارنة مع باقي العناصر ذلك لأن التغيرات في الضغط البارومتري قرب مستوى سطح البحر لا يترتب عليها أي تغيرات فيزيولوجية ظاهرة في الإنسان، ويتفاوت ارتفاع قمة عمود الزئبق في البارومتر بين 950 - 1050 ملليبارا إلا أن تناقص الضغط الجوي بالارتفاع يؤثر على الإنسان تأثيرا مباشرا فعلى ارتفاع 5300 متر "17500 قدم" ينخفض الضغط إلى نصف ما هو عليه عند سطح البحر حيث يصل إلى 500 ملليبار، أما على ارتفاع 9000 متر "30.000 قدم" فإن الضغط الجوي يصبح ما بين ثلث وربع مثيله عند سطح البحر. وبالرغم من قلة مساحة الأراضي المرتفعة إلا أن هناك شعوبا قليلة استوطنت مثل هذه المناطق كما هو الحال في مرتفعات الإنديز في بيرو، وكذلك في التبت حيث تعيش بعض الجماعات على ارتفاعات تصل إلى 4500 متر "15000 قدم" أو تزيد وأحيانا تصل القطعان التي يرعاها سكان هذه المناطق إلى 5500 متر "18000 قدم".
ومن المعروف أن الإنسان إذا ارتفع من سطح البحر إلى ارتفاع 3000 متر "10000 قدم" فإنه يصاب بدوار الجبل Mountain Sickness وبضيق في التنفس والصداع وبالإعياء وإذا ارتفع عن ذلك بكثير فإنه يصاب بانهيار تام قد تعقبه الوفاة ولقد كان الاعتقاد السائد قديما أن وفاة الإنسان في الجبال العالية مرجعه سكنى هذه الجبال بالأشباح الشريرة إلى أن فسر أحد القساوسة السبب الحقيقي وراء ذلك في سنة 1590 ومنذ ذلك الوقت أثبتت التجارب أن دوار الجبل ينشأ من النقص في الأوكسجين كذلك أكدت أنه في ارتفاعات معينة فإن الجسم البشري يستطيع أن يتلاءم نسبيا مع النقص في الأوكسجين ولعل في سكان المكسيك والإنديز مثال على ذلك.
أما درجة الحرارة فهي عنصر مناخي هام مؤثر في حياة الإنسان فتبلغ حرارة الجسم البشري الطبيعية 37 درجة مئوية "98.4 ف" سواء هبطت درجة حرارة الهواء المجاور إلى -68 درجة مئوية "-90 درجة ف" كما في شمال سيبيريا أو ارتفعت إلى 60 درجة مئوية "140 فهرنهيت" كما في الصحراء الكبرى وشبه الجزيرة العربية. وفي الأقاليم المناخية قاسية البرودة يكون الكساء أمرا ضروريا بالرغم من أنه ليس كذلك في المناطق الباردة نوعا كما هو الحال في جماعات الأكالوف Alacaluf البدائية في أقصى جنوب شيلي والذين يعيشون عراة في مناطق تتراوح درجة الحرارة بها بين -4
مئوية "25 درجة ف"، 9 درجات مئوية "48 ف" في نطاق الرياح الغربية الأنتاركتيكية وقد تلاءمت هذه الجماعات فسيولوجيا مع درجات الحرارة المنخفضة، ويحتوي الغذاء عند هذه الجماعات كما هو الحال في جماعات الإسكيمو على كمية من الشحوم التي يحصلون عليها من الحيتان وغيرها من الحيوانات وهم في ذلك يهضمون كمية من الشحوم تستحيل على غيرهم من الأجناس الأخرى كما يستهلكون الأغذية التي تعطيهم أكبر قدر من الطاقة الحرارية وتتميز أجسامهم بتراكم الشحوم فيما تحت الجلد وعلى ذلك فإن الجماعات البشرية التي تعيش في المناخ البارد جدا استطاعت أن تتأقلم مع درجات الحرارة المنخفضة السائدة في بيئتها.
ويرى بعض الأنثروبولوجيين ومن بينهم بكستون Buxton أن الأنف الطويلة ذات الفتحات الضيقة التي تميز بعض الجماعات البشرية التي تعيش في المناطق الباردة والجافة تقوم بوظيفة هامة في تدفئة وترطيب الهواء المتنفس قبل أن يصل إلى الرئتين.
من ذلك يبدو أن النشاط البشري والطاقة الجسمانية تتأثران بالمناخ تأثيرا كبيرا فالحرارة العالية والرطوبة الشديدة لا تساعدان على العمل كذلك فإن الهواء الحار مع الرطوبة المنخفضة تؤذي الجلد وتؤدي إلى تشققه وينتج عنها جفاف الحلق والأنف وتزيد من قابلية الإنسان لنزلات البرد، ولذلك فإن أنسب رطوبة هي التي تتراوح بين 40 - 60% كذلك فإن هناك الأمراض التي تكثر في بيئات معينة كالحشرات والأوبئة في البيئات الحارة الرطبة مثل الملاريا والحمى الصفراء والكوليرا والتيفود والدوسنتاريا بسبب البعوض والذباب وكذلك مرض النوم الذي تسببه ذبابة تسي تسي في المناطق الاستوائية والمدارية أما في المناطق الباردة فتكثر أمراض الرئة والأنفلونزا ويتعرض جسم الإنسان لخطر النزلات الشعبية وأمراض الحنجرة والقلب وغيرها.
ويختلف توزيع الطاقة البشرية الجسمانية والذهنية في جهات العالم المختلفة باختلاف الأقاليم المناخية التي يعيش فيها ولا يمكن تجاهل أثر المناخ البارد نوعا في النشاط الفكري والجسماني إلى حد ما وأثر المناخ الحار الرطب في بعث الخمول وانحطاط الطاقة الذهنية والجسمانية.
وقد حدا ذلك ببعض الباحثين إلى إعطاء أهمية عظمى في أثر المناخ في تطور الحضارة البشرية ومنهم السورث هنتنجتون Huntington الذي توصل إلى نتائج هامة يمكن تطبيقها على نواحي النشاط البشري -بعد أن أجرى دراساته بين العمال والطلبة في شرق الولايات المتحدة وكندا- وهذه النتائج هي:
1- أن الإنسان يصل إلى أقصى درجات النشاط الجسماني إذا كانت درجة الحرارة تتراوح بين 60 - 65 درجة فهرنهيت أي بين 15 - 18 مئوية ويصل إلى أقصى درجات النشاط الذهني إذا كانت درجة الحرارة خارج المساكن تصل إلى 38 درجة ف ومع حدوث بعض الصقيع ليلا.
2- أن المناخ الذي يسير على وتيرة واحدة يقلل من النشاط الجسماني كذلك التغيرات المفاجئة في المناخ.
3- أن ارتفاع نسبة الرطوبة يزيد من النشاط البشري إذا ما كان المناخ باردا أما إذا كان المناخ حارا فهي تبعث على الكسل وانحطاط الجهد.
4- أن الطقس الإعصاري يزيد من الرغبة في العمل والقدرة عليه على ألا تكون تغيرات الطقس فجائية.
وقد دلت دراسات هنتنجتون أن هناك أربع مناطق يتمثل فيها المناخ الأمثل من حيث النشاط البشري وهي: شمال شرق الولايات المتحدة والجزر البريطانية وغرب أوروبا وجزر اليابان والجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا وكولومبيا البريطانية بكندا.
على أن دراسة المناخ والنشاط البشري والحضارة أساسه درجة تناسب المناخ للنشاط البشري فدراسة أثر المناخ في تطور الحضارة المصرية مثلا لا يجب أن يقارن بمناخ إنجلترا بل يجب دراسة درجة ملاءمة المناخ بمصر لسكانها من ناحية النشاط والصحة والقوة الاقتصادية وكذلك فإن التطور الحضاري مختلف في الماضي عما هو عليه في الوقت الحاضر حيث تكثر الإمكانيات التي تجعل الإنسان يقي نفسه شرور الطبيعة إلى حد كبير.
ثانيا- الحياة النباتية والإنسان:
تتميز النباتات بخاصية أساسية وهي قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية من الهواء والتربة وتحولها بعد ذلك إلى غذاء للإنسان، وحتى تصبح المادة غير العضوية غذاء للإنسان فلا بد أن تمر خلال النبات، ولذلك فقد كتب فيدال دي لابلاش الجغرافي الفرنسي المشهور قائلا: "إن النباتات وحدها هي القادرة على سحب العناصر الغذائية من الهواء، لذا فإنها تشبه مصنعا حيا للغذاء"1.
وتقوم المملكة النباتية بعد المملكة الحيوانية بالغذاء ولذا فإن الحياة النباتية الطبيعية في قطر ما تتناسق مع أنواع الحيوانات بها وكذلك فإن أنماط الحياة وخاصة بين المجتمعات البدائية ترتبط بكل من الحياتين النباتية والحيوانية وتتأثر بالتالي بالظروف المناخية السائدة بها. وأيضا فإن نطاقات الغطاء النباتي التي تغطي مساحة من سطح الأرض تفوق مساحة المناطق الجرداء والجليدية تتمشى مع أنماط الحياة البشرية بصفة عامة وهذه القطاعات الطبيعية الرئيسية تعد نطاقات بشرية إلى حد كبير وفي كل منها حياة الإنسان تتعرض لقوى البيئة الطبيعية المتمثلة في النظام المناخي والارتباط بين الحياتين النباتية والحيوانية ويستطيع الإنسان أن يغير في هذه العناصر الطبيعية بقدر ما أوتي من قوة ذاتية متمثلة في إمكانياته وأساليبه التي ابتكرها لهذا الغرض، وتلائم المجتمعات البشرية المختلفة ظروف حياتها مع ظروف بيئاتها ولكنها رغم ذلك لا تملك قدرة التغيير الكامل لهذه البيئة ولعل في دراسة المجتمعات البشرية في العالم الجديد قبل مجيء الأوروبيين إليه ما يؤكد التطابق بين الأقاليم الطبيعية وأنماط الحياة بين الشعوب ذات الأساليب البدائية فعلى كلا جانبي الاستواء كان هناك تماثل بل وأنماط مكررة لأشكال الحضارات الوثيقة الارتباط بالظروف المناخية ففي فيوردات بتاجونيا وكولومبيا البريطانية كانت هناك جماعات تمارس صيد الأسماك، وكذلك كانت هناك جماعات صيد الجاموس البري في البراري والغوناق "حيوان ثديي أمريكي من فصيلة الجمل" في البمبا وجماعات زراع الذرة في الأقاليم المدارية وشبه المدارية وزراع الكاسافا في الإقليم الاستوائي.
وبصفة عامة فإن سطح الأرض يمكن أن ينقسم إلى المناخ المداري الحار والمناخ الجاف والمعتدل والبارد وذلك منذ أن بدأ المناخ الحالي يسود الأرض -أي منذ فترة العصر الحجري الحديث- وهذه الفترة في تاريخ الإنسان أعقبت العصر الحجري القديم والذي كان المناخ فيه مختلفا وكذلك أنماط الحياة وأساليبها، وقد انتهى العصر الحجري القديم في وقت كان المناخ فيه باردا وتميز في أوروبا بامتداد الغطاء الجليدي وفي صحاري العالم القديم بظروف مناخية تتصف بالرطوبة التي ساعدت على نمو الإستبس في مناطق واسعة تعد صحراوية وقاحلة اليوم.
ولم تبدأ المدنيات القائمة على الزراعة في أقاليم العالم في وقت واحد فقد ظهرت متأخرة في العروض العليا في إسكنديناوه ويذهب بعض العلماء إلى أن البرونز كان معروفا للمصريين القدماء منذ حوالي 5000 سنة قبل الميلاد في الوقت الذي لم يبدأ فيه العصر البرونزي في السويد مثلا حتى القرن الثامن عشر أو السابع عشر قبل الميلاد وبين بعض الجماعات في شرق سيبيريا فإن عصر البرونز لم يبدأ إلا في أوائل العصر المسيحي1.
وكقاعدة عامة، فقد كان التطور بطيئا في بعض مظاهر الحضارة مثال ذلك أن استخدام الحديد يرجع إلى القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد في السويد بينما كان مألوفا في إيطاليا منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ويرى هنتنجتون أن هناك تغيرات مناخية كبيرة قد طرأت على امتداد التاريخ البشري ويستدل على ذلك باختفاء بعض المدن في جنوب غرب آسيا مثل تدمر التي كانت مزدهرة حتى بداية العصر المسيحي وهي اليوم أطلال بالية في الصحراء كذلك فإن هناك مدنا رومانية أخرى وخاصة تلك التي شيدت على أطراف الصحراء الأفريقية تحولت إلى أطلال لعدة عوامل أبرزها تغير الظروف المناخية، بل إن هنتنجتون يرجع الثورة الزراعية التي حدثت في إيطاليا حوالي سنة 200 ق. م إلى تناقص كمية الأمطار مما ترتب عليه نقص في محصول القمح وهجرة كثير من الريفيين إلى المدن. بل إنه يربط بين التغيرات المناخية والأحداث التاريخية الكبرى مثل ثورة العبيد والاضطرابات ثم غزو البرابرة والتي ترجع كلها إلى تدهور المراعي في آسيا مما ترتب عليه هجرة الشعوب الجائعة نحو المناطق الأقل جفافا ولكن هذه الآراء تلقى الكثير من المعارضة من بعض الباحثين.
وتعتبر الحياة النباتية من العوامل الطبيعية المؤثرة في حياة الإنسان ذلك لأنها تؤثر في إنتاج الإقليم الاقتصادي وتحدد نوع الحرفة التي يقوم بها الإنسان وطريقة ومستوى معيشته فمناطق الحشائش صالحة تماما للرعي كما أنها صالحة للزراعة إذا ما أمكن حرق الحشائش بعكس الحال في مناطق الغابات التي تقل صلاحيتها للزراعة ونلاحظ أنه حيث يرتقي الإنسان وترتقي حضارته فإن عناصر البيئة الحضارية سرعان ما تغير الحياتين النباتية والحيوانية وعلى نطاق واسع فالمحاصيل المزروعة والمراعي الصناعية تحل محل النبات الطبيعي وتحل الحيوانات المستأنسة محل كثير من الحيوانات البرية.
وعلى الرغم من أن الإنسان قد أزال أجزاء من الغطاء النباتي الطبيعي في معظم بقاع العالم سواء لإحلال الزراعة محلها أو لأي غرض آخر فإن أهميتها بالنسبة للإنسان أهمية كبيرة إذا ما أدركنا أن استهلاكه من الأخشاب في أغراض البناء أو صناعة الأثاث أو في مد السكك الحديدية وصناعة السفن وغيرها في تزايد مستمر تبعا لتزايد أعداده كذلك يمكن أن تظهر الأهمية الكبرى للحياة النباتية إذا أدركنا أن ما يستهلكه العالم من لحوم وجلود وأصواف يأتي في معظمه من المناطق ذات المراعي الطبيعية التي تربى عليها قطعان ضخمة من الماشية والأغنام كما هو الحال في الأمريكتين واستراليا ونيوزيلند.
وقد يكون الغطاء النباتي حائلا للتقدم البشري في كثير من الأحيان حيث تعوق الغابات الكثيفة طرق النقل المتنوعة التي يصعب مدها فيها مثل طرق السيارات أو السكك الحديدية كما يبدو في حوض الكونغو والأمازون واللذين ما زالا حتى الآن مناطق طرد بشري وتسود بهما حرف بدائية كالصيد والجمع وغير ذلك فقد قامت مناطق الغابات بدور الحماية للجماعات المستضعفة في مواجهة الجماعات القومية فمناطق غابات الكونغو كانت ملجأ للأقزام التجئوا إليها تحت ضغط جماعات الزنج السودانيين وجماعات البانتو.
وقد ترتب على المظهر الطبيعي في مناطق الغابات أنها قليلة السكان بصفة عامة ولا يعيش فيها سوى بعض الجماعات البدائية قليلة العدد والتي يتناقص عددها في معظم الأحيان كذلك يسكن هذه الغابات بعض عمال قطع الأخشاب والصناعات القائمة عليها أو جمع منتجات الغابة.
ثالثا: العوامل الفيزيوغرافية والإنسان:
تلعب العوامل الفيزيوغرافية في البيئة الطبيعية دورا بارزا في أنماط النشاط البشري وتوجيهها فبالرغم من أن المناخ يؤثر بدوره في تحديد الأقاليم الرئيسية التي تضم أنماطا مختلفة من الحياة البشرية فإن العوامل الفيزيوغرافية هي المؤثر الرئيسي في تباين استغلال الأرض وفي اختلاف الدور الذي يقوم به الإنسان في هذا الصدد.
وتعد مظاهر السطح من العناصر الطبيعية للبيئة الجغرافية حيث توجه العمران البشري فيها وتحد من امتداده حينا أو اتساعه أحيانا والناظر إلى خريطة توزيع السكان مثلا يلمس أن جزءا كبيرا من سطح الأرض ما زال غير معمور. حتى النطاق المعمور فإن توزيع السكان به غير متساوٍ وتبلغ مساحة اليابس 14