القواعد الأساسية في الكارتوغرافيا الجغرافية وطرق إنشاء وتطوير الرموز في نظم ArcGis الفصل الاول
الفصل الأول:
الكارتوجرافيا والسطح
الكارتوغرافيا ومفهوم سطح الأرض
1- التغيرات الدائمة للمجال الجغرافي
لا يمكن اعتبار المجال الجغرافي متجانساً من مكان إلى آخر أو من زمن إلى آخر، وهذا المجال الذي نشعر به مؤلف من مكونات هي في الواقع عبارة عن معقدات أو مركبات جغرافية تشكل سطح الأرض. ونجد عدم التشابه واضحا بين هذه المركبات فيما بينها وهو يتحكم في التخالف أو التباين الكبير الجغرافي حسب المكان والزمان ليس فقط بين أنواع المكونات الرئيسة بل وداخل النوع نفسه لمختلف بقاع سطح الأرض،ويرتبط كل من التخالف والتباين بشكل مباشر بدرجة التباعد في التشابه بين مختلف مكونات سطح الأرض. وفي الواقع لا نشعر عندما ندرس المجال الجغرافي مجرد ، من خلال دراسة كل عنصر عن من عناصر السطح، بأن هذه العناصر تتميز وتتفرد على السطح بشكل مستقل وإنما نشعر بوجود معقدات تجمع بين هذه العناصر المختلفة والمثال على ذلك، المعقد البيدولوجي أو معقد التربة الذي يعتبر من أهم مكونات السطح الجغرافية فهو يضم عدد كبير من أنواع الترب، وكل نوع منها يتألف من عدد كبير من العناصر الجغرافية وغير الجغرافية التي تستخدم في دراسة الترب، أي الدراسات التي تتناول العمليات التفسيرية الهادفة الى الاستدلال عن الانتظام المكاني للترب التي تشكل الهدف الرئيس في العمل الجغرافي.
مثال آخر: لا نشعر بتأثير الحرارة لوحدها أثناء اليوم وإنما نشعر بحالة الطقس التي تحدث نتيجة تضافر مختلف عناصر المناخ، ومن هذا يتضح أن المجال الجغرافي مؤلف من أجزاء تعطيه طابع عدم الاستمرارية والتقطع وبذلك يصبح هذا السطح المكان الدائم للتغيرات المستمرة.
ونلاحظ بشكل دائم هذه العلاقة الطردية بين هذه التغيرات الدائمة و مساحة المجال الجغرافي المعتبر وعلى العكس كلما صغرت مساحة المجال الجغرافي كلما قلت التغيرات به أو تصبح أقل أهمية.
ويدعو هذا إلى الاستنتاج بأن النقطة على سطح الأرض في زمن معيَّن محدد وبشكل ما هي التي تحقق التجانس حيث تنعدم الجغرافية لأن النقطة هي وحيدة الطبيعة والتركيب، وبالتالي لا يوجد أية جغرافية للنقطة التي تعتبر جزأ" متناهيا" في الصغر من سطح الأرض.
إن التغيرات الحالية لمعقدات ولمكونات سطح الأرض والعناصر الخاصة بها أو المؤلفة لها هي إذن شديدة التنوع حسب المجال والمكان وكذلك الحال فيما يتعلق بتغيرات الوقائع المختلفة التي تكوّن علامات دائمة على سطح الأرض وتتم التغيرات حسب مركبتين أساسيتين:
أ- التغيرات حسب المركبة الزمانية (المركبة الزمنية).
وتتطلب دراسة وتحليل هذه المركبة استخدام المحورين التاليين:
1- دراسة التغيرات الزمنية الصرفة حسب الوحدات الزمنية الجغرافية وهي من الأكبر الى الأصغر : المدة المؤلفة من عدد من السنوات، السنة، الشهر، اليوم، الساعة.
ويمكن حاليا" اختراق جدار اليوم وإجراء بعض من الدراسات الجغرافية على مستوى الساعة نتيجة لتوفر أدوات التقنية المتقدمة كالحاسب الآلي، إلا أن ذلك يتطلب التقيد بالعلاقات الدائمة بين مساحة أو حجم المنطقة المدروسة والزمن المعتمد لها، أي أن التناسق المجالي- المكاني الزمني يحتم اعتماد مساحة صغيرة من سطح الأرض لدراسة التغيرات الخاصة بعناصرها الجغرافية التي يمكن أن تدرس حسب وحدات زمنية الصغيرة.
2- دراسة التغيرات الزمنية بالطرق والأساليب الكمية أو البيانية المعروفة:
أ- دراسة التغيرات وتحليلها بيانيا حسب التتابع الكرونولوجي الحقيقي للزمن لإجراء تحليلات الأنظمة.
ب- دراسة التغيرات وتحليلها بيانيا حسب التتابع غير الكرونولوجي للزمن أي بعد ترتيب القيم لإجراء التحليلات الاحتمالية وتحليلات التركز.
ونستطيع القول بأن تغيرات العناصر حسب المركبة الزمنية يخضع لكثير من العوامل ويتأثر بها. مثال: المستوى التكنولوجي، العادات والتقاليد في نظم الإنتاج أو في نظم الاستثمار والتطوير، عدد السكان, رؤوس الأموال ... الخ من عوامل كثيرة ومتنوعة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لتفسير هذه التغيرات الزمنية.
ب- التغيرات حسب المركبة المجالية - المكانية.
درج استخدام تعبير المكان وإقرانه بالجغرافيا ليعبر عن حقل الدراسة الجغرافية وبالتالي عن المهمة الجغرافية، وفي هذه الأثناء ونتيجة لتطور المعرفة العربية بقواعد الجغرافية النظرية العالمية، يجب التمييز بين المكان "ٍSite" والمجال "Space"، كونهما مفهومان أساسيان من مفاهيم الدراسة الجغرافية لسطح الأرض الذي يشكل حقل العمل الجغرافي. فإذا كان نمط علاقة المكوّن المدروس مع سطح الأرض علاقة مساحية أي عندما نجد بأن طبيعة انتشار مكوّن ما على السطح طبيعة مساحية كالتربة مثلا" أو الغطاء النباتي أو أي عنصر من عناصر الجو التي تعتبر عناصره جغرافية ذات علاقة مساحية مع سطح الأرض فان التركيب اللغوي المستخدم المعبر عن جغرافية هذا المكوّن يجب أن يعكس طبيعة انتشاره، وبالتالي نتكلم عن تغيرات أو تباينات أو تخالفات مجالية، وتكون المهمة الجغرافية متعلقة بشكل عام بالكشف عن العلاقات المجالية. أما إذا كان نمط علاقة المكوّن المدروس مع سطح الأرض علاقة موضعية أي أن طبيعة انتشار هذا المكوّن على السطح طبيعة مكانية كأي عنصر من عناصر الخدمات أو الإدارة أو التجارة مثلا" أو أي عنصر آخر موضعي على سطح الأرض كنقاط المياه أو آبار النفط...الخ، ذو جغرافية موضعية على سطح الأرض فان التركيب اللغوي المستخدم المعبر عن جغرافية هذا المكوّن يجب أن يعكس طبيعة انتشاره وبالتالي نتكلم عن تغيرات أو تباينات أو تخالفات مكانية ، وهكذا بالنسبة للعناصر أو المكونات الخطية لسطح الأرض حيث نستطيع التعبير عن تغيرات أو تباينات أو تخالفات خطية، وتكون المهمة الجغرافية متعلقة بشكل عام بالكشف عن العلاقات الخطية لهذا العنصر الخطي المدروس.
ندرك إذن بأن التعبير الأكثر ملاءمة لإقرانه بالجغرافيا كعلم هو سطح الأرض وضرورة أن نعتبر المكان والمجال من مفاهيم سطح الأرض الذي يشكل ميدان الدراسة الجغرافية. فالتغيرات على السطح الجغرافي للأرض هي التي تولّد الجغرافية، وتتم على هذا السطح أي على المجال "Space" إن كانت هذه التغيرات خاصة بعناصر مساحية أو موضعية أو خطية، ولا يمكن أن تحدث على المستوى المكاني أو الموضعي حيث يتحقق التجانس الذي يصبح مطلقا" على مستوى النقطة التي تشكل أصغر موضع على السطح. وهكذا نجد بأن مجموعة المؤلفات في الجغرافيا النظرية باللغات الانجليزية أو الفرنسية أو الألمانية تستخدم مفهوم المجال "Space"وليس المكان "Place" للتعبير عن التغيرات الخاصة بالعناصر الجغرافية إن كانت مساحية أو مكانية أو خطية فنقول تغيرات مجالية "Spatial Variability" عوضا" عن المكانية لأن ذلك أكثر التصاق وفاعلية لواقع الجغرافيا ومهمتها وأهدافها، وهذا ما سيستخدم في هذا المؤلف.
التغيرات المجالية تعني إذن دراسة توزيعات أي عنصر أو مكوّن جغرافي على سطح الأرض، والبحث في التغيرات المجالية يعني الغوص في غمار المهمة الجغرافية التي تتبلوّر في ثلاثة محاور هي:
- المحور الخاص بتحديد أنماط الانتظام المكاني أو المجالي للعناصر المدروسة داخل منطقة الدراسة للتعرف على طبيعة العلاقات مع سطح الأرض .
- المحور الخاص بتحديد العلاقات المكانية بين العنصر المدروس وما جاوره أو ما يقع في وسطه المحيط من العناصر ذات الطبيعة الجغرافية المختلفة التي بتأثيراتها المتبادلة أدت إلى جغرفة العنصر أو نشوء جغرافية للمكوّن الجغرافي المدروس.
- المحور الخاص بتحديد العلاقات المكانية بين العنصر المدروس وما جاوره أو ما يقع في وسطه المحيط من العناصر أو المكونات من نفس الطبيعة الجغرافية التي بتأثيراتها المتبادلة أدت إلى نشؤ جغرافية العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس.
التحديد الكارتوغرافي لعناصر ومكونات سطح الأرض:
بالإضافة إلى ما تم ذكره فيما يتعلق بضرورة التمييز بين عناصر أو مكونات مساحية أو موضعية أو خطية فان الخاصية النوعية أو الكمية المعتمدة للعنصر الجغرافي يجب كذلك أن تحدد من أجل التوصل إلى تشخيص أمثل للعناصر التي نريد تمثيلها كارتوجرافيا وذلك كما يلي:
1- حسب نوع العنصر المدروس مثال: أنواع الترب المختلفة أو أنواع الصخور الجيولوجية...الخ، وهنا نتكلم عن تغيرات مجاليه نوعية لأن العناصر أو المفاهيم المعتمد دراسة تغيراتها على سطح الأرض هي نوعية.
2- ولأهداف البحث العلمي الجغرافي تتم دراسة التغيرات المكانية أو المجالية لعنصر أو متغير جغرافي ما اعتمادا" على مقوماته أو مفاهيمه الكمية مثال: كأن ندرس توزع إنتاج محاصيل الحبوب أو أي نوع من الزراعات حسب القرى أو النواحي أو أن ندرس توزع إنتاج مختلف أنواع الثروة الحيوانية دون أن ننظر إلى نوعها حسب الأقاليم أو القرى في بلد ما، وفي هذه الحالة نتكلم عن تغيرات مجاليه أو مكانية كمية. والتغيرات حسب المجال أو المكان تخضع بدورها لعوامل كثيرة تؤثر عليها ومنها درجات العرض الارتفاعات والانخفاضات القرب أو البعد عن سطح البحر التعرض أو عدمه ... الخ. كذلك فإن من العوامل الأخرى المؤثرة في التغيرات المكانية-المجالية المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي والثقافي لسكان المناطق المختلفة. وعلاوة على ذلك فان شدة التغيرات المجالية أو التغيرات المكانية للعناصر والمكونات الجغرافية لمنطقة ما تنتج وتعبر عن مقدار تفاعل الإنسان مع سطح الأرض وتتحدد بإمكانات تنقل هذا الإنسان وسرعته حسب أشكال هجرته اليومية داخل المدن أو ضمن حقل تأثيرها خاصة للأقاليم البشرية أي التي تتميز على كثافات سكانية عالية، بينما الأراضي الطبيعية غير الحضرية التي تكاد تخلو من السكان تخضع بداخلها آليات التغيرات المكانية أو المجالية إلى آليات عمل الطبيعة والتأثير المتبادل بين العناصر الجغرافية الطبيعية لسطح الأرض حيث لا يكون للإنسان أي دور.
ويجب التنويه بأن الدراسات الفكرية الحديثة تقرن استخدام مفهوم التغيرات الخاصة بأي مكون أو عنصر جغرافي لسطح الأرض عندما يلاحظ بأن هذا العنصر يقدم تغيرات جذرية أو متأصلة إن كانت مكانية أن مجالية على سطح الأرض. أما إذا تعلق الأمر بالمركبة الزمنية للتغير فان التغيرات الزمنية يقصد بها تلك التغيرات طويلة الأمد التي تتم على مدد زمنية تزيد عن العشرة أو العشرين سنة. أما التباين والتقلب والتذبذب فهي تعبيرات يمكن أن تخص الفترات الزمنية القصيرة كاليوم أو الشهر أو السنة.
التصنيف العام للعناصر أو المكونات الجغرافية من المنظور الكارتوغرافي:
من خلال ما جاء أعلاه ندرك بأن العناصر أو المكونات الخاضعة للتمثيل الكارتوغرافي الجغرافي تصنف إلى ما يلي:
1- العناصر أو المكونات المساحية النوعية،وخير مثال عنها: الترب، الغطاء النباتي...الخ
2- العناصر أو المكونات المساحية الكمية، وخير مثال عنها: العناصر الجوية...الخ
3- العناصر أو المكونات الموضعية النوعية، وخير مثال عنها:مرافق الخدمات، الإدارة...الخ
4- العناصر أو المكونات الموضعية الكمية، وخير مثال عنها: إنتاج الآبار بأنواعها المختلفة، عدد طلاب المدارس،...الخ
5- العناصر أو المكونات الخطية النوعية، وخير مثال عنها:الشبكة المائية، شبكة الطرق...الخ
6- العناصر أو المكونات الخطية الكمية، وخير مثال عنها: التدفق المروري، حركة التجارة، كميات البضائع بين الموانئ...الخ
الخصائص الرئيسة للتغيرات المكانية-المجالية التي يجب اعتبارها كارتوجرافيا:
في الواقع ومن الناحية العلمية الصرفة، لا يوجد على الطبيعة حدود انقطاع بين معقد وآخر أو بين مكوّن وآخر أو بين عنصر و آخر، ذلك لأن الانتقال بين العناصر المكونة لسطح الأرض يتم بصورة تدريجية انتقالية ومن النادر أن يكون هذا الانتقال قاسياً أو سريعاً. من جهة أخرى نلاحظ عند دراسة سطح الأرض بأن المناطق الانتقالية هذه تتسم أحياناً بالوضوح وأحياناً أخرى بعدمه، وهذا الأمر يضيف تعقيداً جديداً على التغيرات الجغرافية التي ترتسم على سطح الأرض لعنصر أو لمكوّن ما وتضطرنا إلى تحديد درجة ثبات المركب أو المعقد الجغرافي لأن درجة الثبات تتعلق بشدة التجزيء أو التقطيع المساحي أو المساحي- الزمني الذي نعتبره. إن المناطق شديدة الثبات هي المناطق الأقل تفاوتاً أو تبايناً أو تنافراً وإن العنصر الجغرافي الأكثر ثباتاً هو أيضاً العنصر الأقل تنافراً أو تبايناً.
العناصر الجغرافية البطيئة في تغيراتها المكانية-المجالية هي التي يجب أن يستند عليها لتشكيل قاعدة لتمثيل المتغيرات الأقل ثباتاً، أي أنها يمكن أن تشكل أساسا يستخدم لإنشاء تركيبات أكثر وضوحاً: مثال: كأن نعتبر دراسة تغير السكان حسب المجال الجغرافي بالاعتماد متغير آخر شديد الثبات وهو حدود المناطق الإدارية، أو دراسة وتحليل الخصائص التعليمية-الثقافية السكانية حسب القرى والهجر، أو اعتماد الخطوط الرئيسة للتضاريس لتحديد التغيرات المجالية لأي عنصر جوي عند تصميم خريطة مناخية لإقليم ما...الخ، وهكذا نستطيع أن نتصور طبيعة حدود العناصر أو المكونات الجغرافية لسطح الأرض على أنها تصنف كما يلي:
1- عناصر ذات حدود استاتيكية ثابتة: وهذه العناصر تشكل المتغيرات الأكثر تبايناً وتتميز بحدود انتقالية ضيقة بينها وبين المتغيرات الأخرى المجالية مثال: نجد هذه العناصر في حدود مختلف أنواع التكشفات الجيولوجية على الخرائط الجيولوجية، وكذلك في الخرائط التي تبين توزيع أنواع التضاريس أي الخرائط الجيومورفولوجية، وفي الخرائط التي تبين أنواع التربة ... الخ. ومن هذه الأمثلة نستطيع أن نستنتج أن أنواع التضاريس وأنواع الترب هي أمثلة لمكونات أو لمتغيرات تكاد تكون تغيراتها الزمنية غير ملاحظة على مقياس العمر الزمني للإنسان لدرجة اعتبارها ثابتة قليلة التغير حسب المجال-المكان والزمن.
2- عناصر تتمتع بحدود ديناميكية حركية أو متغيرة: وهي المتغيرات التي تعرف حدودها تغيرات كبيرة وغالباً ما تكون الحدود بينها وبين المتغيرات الأخرى مشكلة من مناطق انتقالية كبيرة.
مثال: الخرائط التي تبين شكل الإشغال الوظيفي للأرض, خرائط المناطق الحضرية, الخرائط المناخية, الخرائط الزراعية، كما نستطيع بسهولة أن نتصور بأن الحدود بين مساحة الأراضي الزراعية تتغير بشكل كبير حسب المقياس المجالي-المكاني الجغرافي ومن عام إلى عام آخر أو حتى من فصل زراعي لآخر مما يسمح باعتبار المتغيرات الزراعية مثال عن المتغيرات الجغرافية ذات حدود ديناميكية حركية.
ومن الأهمية بمكان أن يؤخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق وأن نعلم بأن الكارتوجرافيا الجغرافية يجب دوماً أن تعبر بوضوح عن خصائص المجال وكذلك أن تعبر أيضا عن الاختلافات الدقيقة أي التدرجات الإيجابية أو السلبية داخل النوع الواحد أو المركب الواحد أو العنصر الواحد، ومثال على ذلك تدهور التربة الحمراء في شرقي المتوسط كلما اتجهنا إلى الداخل القاري.
استنتاج المناطق المتجانسة:
المجال الجغرافي هو المكان الحقيقي لمركبات واقعية جغرافية ذات تنوع كبير وهي أساساً متغيرة، متباينة ومتخالفة عن بعضها البعض، ولا يجب الاكتفاء بالمعلومات والمعطيات الرقمية وغير الرقمية يمكن أن تساعد على فهم بعض التفاصيل المتعلقة بهذه الوحدات إلا أنها لا تساعد بشكل مطلق وجلي على تحديد تغيراتها المجالية-المكانية، لذلك فإن الدراسات التي تحاول الاكتفاء بذلك دون استخدام أية طرق للمعالجة الجغرافية-الكارتوغرافية لهذه البيانات لن تتوصل في النهاية إلى نتائج ذات أهمية علمية كبيرة. وتسمح المعالجة الكارتوجرافية لهذه المعلومات بتوليد وثائق علمية جغرافية جديدة تؤدي دراستها وتحليلها إلى تحقيق الهدف الجغرافي الأولي الكامن في تحديد التغيرات المجالية الرئيسية ومحاور هذه التغيرات. في الواقع، فان الاكتفاء بدراسة الأرقام والمعطيات الأولية لا تمكننا من التوصل إلى هذه النتيجة، ذلك أن المطلوب يكمن في البحث المنطقي عن المساحات أو عن الأراضي التي تتشابه فيما بينها التشابه الأمثل وأن نستطيع أن نسمي هذه المساحات ذات التشابه الداخلي أو التجانس الداخلي باسم منطقة أو مجال متجانس للمتغير أو للمكوّن الذي تتم معالجته بالتمثيل الكارتوغرافي. والمقصود بالتجانس في هذا النص هو التجانس النسبي لأن الطبيعة لا تقدم مساحات متجانسة إطلاقاً وهذا التجانس النسبي هو التجانس المعمم الذي نقبل به بشكل مرحلي لضرورات البحث والتحليل: " إن التشابه هو ليس عكس الاختلاف ولكنه مجرد تعميم تحدث بداخله الاختلافات الثانوية التي قد يتجاهلها البعض"* .
ويعتبر إنشاء وتصميم الخريطة الجغرافية المصممة للأغراض العلمية هاما" ليس فقط لبيان قدرة هذا الجغرافي الكارتوجرافية وفهمه لطرق التمثيل، بل وتعكس في نفس الوقت وجهة نظر الباحث في كيفية فهمه للتوزيعات ومرئياتة في نمذجة محاور التغير كارتوغرافيا". وتقدر في هذه الحالة عبقرية استخدام الطرق الكارتوغرافية بكل إمكاناتها المتاحة لإظهار تدرجات المتغير الممثل التي يجب أن تبدو واضحة على الخرائط المنفذة، كذلك يجب التمكن من إظهار "المساحات المتجانسة" بشكل واضح وصحيح كارتوغرافيا"، هذه المساحات هي التي من ناحية أولى تقسم المجال الجغرافي إلى أجزاء مستقلة ومتميزة عن بعضها البعض، مما يؤدي إلى التقرب من انجاز أهم المهام-الهدف في العلوم الجغرافية الخاص بتحليل سطح الأرض بغية التوصل إلى استثماره وإنعاشه لصالح الإنسان.
ومن ناحية أخرى لا يعتبر ، تحديد هذه المساحات المتجانسة سهلا" في بعض الأحيان، لأنه في كثير من الحالات لا نستطيع التأكد من التجانس وتصوير المساحات المتجانسة بالسهولة التي نعتقدها وبالوسائل والأدوات الكارتوغرافية المتاحة، باعتبار أن فاعلية الطرق التي تستخدم تبقى نسبية ، ويظل الهدف في إيجاد الحدود الخاصة لكل مساحة من الأرض يكمن في داخلها التشابه الأكبر والأكثر تعبيراً بصورة لا نستطيع معها رفضه، غاية الكارتوجرافيا الجغرافية.
إن مفهوم التجانس يتلخص بثلاث أنماط كما يلي:
1- هناك التجانس العام ونستطيع فهمه وتعريفه عندما نلاحظ بأن كل الأفراد أو نقاط المجموعة المشكلة للمجال تمتلك خصائص تشابه أو تقدم فيما بينها تشابه كبير بالنسبة لأفراد أو نقاط المناطق الخارجة عن هذه المجموعة أو هذا الحيز،مثال: السهول الزراعية تشكل وحدة مساحية كبيرة التجانس وهي تخالف الأراضي الجبلية المستخدمة في الرعي.
2- التجانس النسبي ويعرف عندما يكون هناك عنصر محدد أو نوع معين من العلاقات يأخذ الهيمنة أو يسيطر على باقي العناصر الأخرى ضمن نفس الحيز أو المكان،مثال: تحديد المناطق الصحراوية المطلقة أو أن تحديد مناطق السهوب أو مناطق زراعة القطن ... الخ.
3- التجانس المشتت ويعرف عندما نلاحظ في نفس المجموعة تردد عنصر أو عنصر ثانوي بشكل ملاحظ أو يكرر نفسه مرات عديدة، مثال: عندما نلاحظ في منطقة ما تكرر استخدام أحد نظم الري أو عندما نرى تكرر ساحات المقابر ، أو تكرر ساحات مواقف السيارات لأحد الأحياء...الخ، داخل المجال الحضري للمدن.
العلاقات المجالية-الزمانية ومشكلة المقياس:
إن الحل الكرتوجرافي لأية إشكالية جغرافية علمية يؤدي إلى ضرورة الخوض في أساس العلاقة بين مساحة المنطقة المتجانسة وعدد أو طبيعة الخصائص الأصلية أي المتغيرات أو العناصر التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في سبيل تحديد هذا التفرد الجغرافي لهذه المنطقة كإقليم مميز، وبالتالي فان هناك تناسب طردي بين عدد ونوعية خصائص المنطقة المعتبرة ومساحتها وكذلك المدة الزمنية التي استغرقتها حتى انتظمت حسب جغرافيتها الحالية. ونقبل بأن كل نقطة من نقاط الأرض أوكل عنصر أو متغير أو مركب مشكل للسطح يحتوي على مركبة تاريخية هامة حددت خصائصه، هذه المركبة هي المركبة الوراثية التي تحدد الانتظام الحالي داخل المنطقة وتعبر عن أصولها التاريخية كما يولد في نفس الوقت لهذه الأراضي طاقة مستقبلية هامة ندعوها بالمركبة الكامنة، تنتج عن مجموعة الخصائص الجغرافية المكتسبة التي يمكن الاستناد عليها لتطوير استخدام هذه الأراضي بالشكل الأمثل.
إن كل انتظام مجالي-مكاني متحقق على سطح الأرض يحتوي عضويا على مركبة مساحية تتميز بسعتها أو بشدة امتدادها وبالفترة الزمنية التي في أثنائها تم هذا الانتظام لعناصر ومكونات السطح مع بعضها البعض من حيث التكامل والتوزيع أي الانتظام.
و يعتبر بالتالي هذا التنظيم وكأنه العنصر الأساسي والأصلي المؤطر للمجال أو للمكان داخل سطح المنطقة أو الإقليم الجغرافي، فإذا كانت الفترة المعتبرة والتي يتطلبها هذا المجال لانتظامه بالصورة الحالية كبيرة فإن المكونات والعناصر والعوامل الأكثر امتدادا على السطح والأكثر مقاومةً وبالضرورة الأقل عددا والأكثر انتشارا هي التي ستبقى محافظة على خصائصها، وهي التي ستعطي الخصائص الرئيسية المكونة للسطح الممثل.
وبالنتيجة نستطيع القول بأن التجانس هو مفهوم نسبي جداً ولا يمكن أن يعتمد إلا لمساحة معينة من الأرض ولزمن محدد، وعندما يتلاقى المكان والزمان لتشكيل هذا التجانس يتحقق جغرافيا" المقياس المكاني-الزمني للتجانس أو المجالي-الزمني حسب الأبعاد المعتمدة. وابتداءً من هذا المقياس نستطيع أن نقسم المجال إلى وحدات هيراركية ذات تتابع وظيفي وذات أشكال وأبعاد مختلفة ، تدعى بوحدات الشكل الجغرافي أو "Diagram-Units" وبالفرنسي ""Isoschemes.
0
0
2.6K
2010-10-10 05:48 صباحًا