الشمال والجنوب!: مفهوم أم جغرافيا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الشمال والجنوب!: مفهوم أم جغرافيا؟
أ.د. جهاد محمد قربة*
حاول العديد من مؤلفي الكتب المدرسية لمختلف المراحل في الغرب تكريس الحدود بين ما يدعونه هم "الشمال والجنوب"، حيث تعتبر كلمة الشمال ذات مدلول عن مختلف الكيانات المجتمعية-السياسية التابعة لهم، أما الجنوب فهي كلمة تعبر عن الآخر الذي لا ينتمي إلى كياناتهم المختلفة. وأخذا بعين الاعتبار حاجة "عقول الشمال" إلى التحديد واعتناقها للمفاهيم ذات الصلة بالتحديد فقد جرت محاولات عديدة "لترسيم" الحدود بين الشمال والجنوب، التي تعتبر بالنسبة لهم هي الحدود الفاصلة بين الحضارة والتقدم، بين الدول النامية أي تلك الدول التي مازالت تعاني من التخلف والدول ذات الأنظمة المتقدمة.
وجاءت مختلف المحاولات لوضع هذه الحدود بين الشمال والجنوب، ذلك أن اعتماد مثل هذه الحدود يشكل أساساً في برامج التنمية الدولية وخططها، ومازالت تلعب دوراً هاماً في تقارير اللجان والهيئات الدولية الرسمية وغير الرسمية من أجل تشخيص "حدود التخلف" أولا ولكي يتضح جلياً لسكان الدول في العالم المتقدم بأنهم يتبعون الشمال وأنهم إذن ينتمون إلى " الحضارة" ثانيا". ,هكذا يستطيع أفراد المجتمعات الشمالية بناء على ذلك اعتناق الأسلوب " المتقدم " في كل ما يتعلق بطريقة تفكيرهم وسلوكهم اليومي ونهجهم للحياة.
ويلاحظ تغير الحدود الفاصلة بين الشمال والجنوب بين لجنة وأخرى، ومن منظمة لأخرى، وهذا التغير ناتج عن المعايير والأنظمة والبروتوكولات الخاصة بعمل هذه اللجنة أو تلك المنظمة التابعة لتلك الهيئة أو الدولة، وخط الحدود هذا يتلوى وينحني ليفصل بين الدول، وليتم دورة محيط الأرض بعبوره القارات والمحيطات، ليفصل العالم الى قسمين مختلفين تمام الاختلاف حسب المعايير المستخدمة التي لا تلعب الجغرافيا بها أي دور ولا حتى خط الاستواء الذي يقوم بدور عادل بقسمة الأرض هندسياً الـ نصف شمالي ونصف جنوبي.
والحدود بين الشمال والجنوب إلى ابتدعها في السبعينات من القرن الماضي بعض من اقتصاديي الغرب تتلاعب بالاتجاهات الأربعة وتقوم بإدخال بعض دول في النصف الجنوبي بالرغم من كونها متقدمة حسب معاييرهم مثل أستراليا ونيوزيلندة مع الشمال؟!
فما هو تاريخ هذا التقسيم اللاحضاري المزعوم من قبل الغرب والمقدم لأسباب جيوسياسية استعمارية محضة تحت غطاء التنمية الدولية.
نشر ويلي براند Willy Brandt الذي كان مستشار لألمانيا الاتحادية سابقا"، تقرير اللجنة المستقلة لمسائل التنمية الدولية بين الشمال والجنوب. وقبل ذلك بأعوام قليلة في عام 1968 م قام روبير مكنمارا Robert Macnamara المترأس للبنك الدولي بتكليف من ليستر بيرسون Lester Pearson بترأس مجموعة من المستشارين الدوليين لتقديم برنامج لمساعدة الدول النامية وتقديم المقترحات من أجل ذلك.
وأشار التقرير الذي نشر عام 1969 م بعنوان نحو عمل مشترك لتنمية العالم الثالث إلى الفجوة الكبيرة التي تفصل الشمال عن الجنوب. وقام كورت فالدهايم Kurt Waldheim بإبداء اهتمام خاص بموضوع الدول النامية وأسس تشخيصها وفي عام 1980م تم نشر تقرير Brandt بعنوان:
(((شمال جنوب برنامج للبقاء)))
وفي داخله خريطة للعالم يمر بها خط يجتاز القارات والمحيطات محدداً الشمال عن الجنوب (الشكل 1).
الشكل1: خريطة تقرير براند التي تزين غلاف تقريره بعنوان: (شمال جنوب برنامج للبقاء).
ناقش التقرير وتحديدا في الفصل الأول مسار الخط حيث أفاد بأنه سيكون مقسوماً إلى قسمين: الشمال الذي يتضمن الدول الغنية الصناعية يضاف إليها من جنوب الاستواء استراليا ونيوزيلندة، والجنوب الذي يتضمن دول كثيرة منها ما هو نصف صناعي مثل البرازيل ودول فقيرة جداً قارية مثل التشاد أو عبارة عن جزر فقيرة مثل المالديف، أو حتى دول غنية بثرواتها مثل الدول النفطية ولكن بشكل عام وبالرغم من عدم وجود تصنيف فعّال لدول العالم فإن الشمال_والجنوب هو مفردة جديدة للتميز بين دول غنية ودول فقيرة بين دول متطورة ودول نامية، بالطريقة التي يرتئيها مفكري الشمال وحسب معاييرهم المقصودة.
الشكل 2: شكل مبسط للحدود الفاصلة بين دول الشمل ودول الجنوب عن "لاكوست 1989"
من كتاب جغرافية التخلف.
وأثار التقرير إشكالية اعتبار دول أوروبا الشرقية من دول الجنوب أو من الشمال وكذلك الصين، فإذا كان الخط الفاصل بشكل رسمي يعود إلى عام 1980م أي منذ العام الذي صدر به تقرير Brandt ليقنع العالم بهذه الفجوة الحضارية بين " الشمال الجنوب" فإن الجهود المتواصلة من رجال السياسة والعاملين في مجال الجغرافية السياسية Geopolitic لم يدخروا أي جهد في تعميق الفجوة وتأصيل خط الشمال والجنوب الصائب برأيهم، وذلك باستخدام أدنى التفاصيل وأدقها لدرجة اعتماد المفاهيم السياسية المتعلقة باستخدام مساقط الخرائط، فنجد على سبيل المثال لا الحصر أنهم استخدموا مسقط بيتر Peters العالمي الذي يركز على توضيح الغرب بشكل عملاق بالنسبة لباقي دول العالم ويبرز أهمية كاذبة له من حيث الامتداد المساحي.
وأصول المفاهيم المتعلقة بالشمال والجنوب هي في الواقع أقدم في تقرير Brandt ويجب العودة إلى عام 1959م للتعرف على مولد هذه المفاهيم على يد السير Oliver Franks السفير البريطاني في واشنطن في ذاك الوقت ورئيس بنك اليود بانك Lloyds Bank، أي بعد سبعة سنوات من اختراع مفهوم دول العالم الثالث عام 1952م على يد Alfred Sauvy ، وقام الجغرافي الفرنسي العنصري Yves Lacoste في عام 1965 م في كتابة مؤلف عن جغرافية التخلف بهدف تجذير التخلف وتدعيم المفاهيم المتعلقة به بمعايير علمية بشكل يسيء إلى كرامة أي دولة في العالم، ويسيء إلى الحضارة البشرية وإلى الإنسان كإنسان وللأسف قام أحدهم بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية وهو معروف لدى الجغرافيين العرب.
الشكل 3: خريطة مأخوذة من كتاب ايف لاكوست ويرى بها بوضوح دول الشمال التي ميزها عن دول الجنوب بالهاشور الرمادي والذي أراد بها أن يقيم العلاقة بين توزيعات الدول المتخلفة وتوزيعات درجات الحرارة الممثلة بخطوط تساوي القيم.
ويبدوا واضحاً عند دراسة وتحليل تقرير Brandt تشابه الأفكار والمعايير المستخدمة وكأنه بالإمكان القول، بأن أصول أفكار " الشمال والجنوب" مستقاة من الأفكار الخاصة بدول العالم الثالث التي حاول "الغرب الصناعي" التأكيد على وجودها وبلورتها بشتى الوسائل والطرق العلمية الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة، لدرجة أن الانطباع المتولد لدى الباحثين والمتخصصين والمراقبين ذوي الأفكار المحايدة ، وكأن العالم الغربي بحاجة ماسة بل عضوية لتأكيد التخلف، لبيان تقدمه النوعي والتقني المادي.
ويبدو من جهة أخرى، أن من أهم النتائج السلبية لأعمال Brandt في بلورة خط مضلل جيوسياسي_اقتصادي_اجتماعي، هو في اقتراب هذا الخط بشدة من الحدود العرقية_الدينية، حيث نلاحظ عدد من الدول المعتبرة في الشمال، هي أقل تطوراً اقتصادياً وحضارياً من دول معتبرة من الجنوب ومثال ذلك، بعض في دول أوروبا الشرقية كرومانيا وبلغاريا ، هذه الدول أي مجموعة أوروبا الشرقية وجنوب إيطاليا وأسبانيا واليابان وكوريا الجنوبية كانت تعتبر من الدول المتخلفة في دراسات وأبحاث الستينات.
وأخذ بعين الاعتبار المعايير الاقتصادية الحقيقية الأساسية المتعلقة بالناتج القومي والأخرى المتعلقة بنسب النمو وكذلك المعايير الحضارية والاجتماعية والثقافية نجد بشكل واضح هذا المسار الفاضح لخط التمييز بين الشمال-الجنوب الذي مازال يعمل به كمرتكز للفصل بين دول العالم خاصة بالنظر إلى دراسات Carrouel, L.2004 حول العالمية والعولمة ونشوء وتطور تعابير غربية مع بداية القرن الواحد والعشرين لوصف دول العالم ونعتها بصفات وعناوين تصب في صالح العالم الغربي.
ويبدو من المقبول لعدد كبير من المفكرين العرب وغيرهم من المتخصصين في العلوم الاقتصادية والاقتصاد السياسي بأن كار توغرافية خط على خريطة العالم جاء لتكريس فكرة الشمال والجنوب، وهو يصب في خانة الأعمال التي تهدف الى بلورة العنصرية "الفكرية العلمية" أي جعل الفكر السياسي لدى الاقتصادي والجغرافي العالمي فكرا عنصريا، خاصة منهم من ينتمون الى دول الغرب والمتخصصون في الاقتصاد السياسي. ويبدو من خلال دراسة تقرير Brandt وأصول هذه الدراسات التي استند عليها تقرير Brandt في الخمسينات بأن الغرض الرئيسي ولكن المبطن لهذه الدراسات يكمن في إيجاد "عالم آخر" أدنى أقل شأنا، وأقل أهمية، ليستطيع "العالم الأول" أن يطور نفسه واقتصادياته من خلال استغلال هذا العالم الآخر بطرق أكثر حضارية تندرج تحت إطار "مشاريع التنمية" التي سيقدمها هذا العالم الأول للعالم الآخر الأقل أهمية والمتخلف عنه " عالم الجنوب".
ويلاحظ الدارس لتاريخ التقسيم الاقتصادي السياسي للعالم من قبل الغرب الذي بدأ في الخمسينات من القرن الماضي، أي منذ نشوء الأفكار المتعلقة بدول العالم الثالث والصفات المختلفة المتعلقة بدرجات التخلف التي تستخدم لوصف هذه الدول، بأن الخرائط في المراجع الاقتصادية السياسية لم تكن تستخدم خط للفصل بين هذه الدول بل كانت تحاول بيان التباين وإظهاره بواسطة الألوان أو الهاشور، ولم تكن الخرائط قادرة على توليد انطباع حقيقي يعكس أي فكر سياسي عنصري فاصل بين الشمال والجنوب، خاصة وأن تقرير Brandt كان يتجاهل الحقائق الاقتصادية لعالم الجنوب وطاقاته الكامنة التي جعلت من بعض دوله مع بداية القرن الحالي أي بعد عشرون عاماً من ظهور تقرير Brandt من دول الطليعة أو من دول الرأس من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا أدل على ذلك إلا ذلك التطور الهائل الذي عرفته مجموعة دول الخليج التي يحتل بعض منها المراتب العشر الأولى من حيث القوة الاقتصادية في العالم مثل المملكة العربية السعودية، يضاف إليها الصين وجنوب أفريقيا ودول أخرى يحتمل وصولها إلى مراحل متقدمة في التطور الاقتصادي كالهند والبرازيل.
وجاء خط الفصل بين الشمال والجنوب في تقرير Brandt ليكرس هذا المفهوم "غير العلمي" ويؤكده وكأن التنافر والتباين الواضح بين دول الجنوب قد أهمل عمداً بقصد الخيلاء، وكأن وضع الجميع في سلة واحدة أريد به تقسيم العالم ليس بمعايير علمية بل ربما تكون " نفسية" لرجال القدوة في دول الشمال ولأسباب ربما تكون باطنية لا يرغبون الإفصاح عنها.
وهذا الخط الفاصل الذي أعيد تنبيه لاحقاً في عدد من الدراسات الجيواستراتيجية والجيوسياسية والسياسية الاقتصادية في أوروبا وأميركا الشمالية(Schmitt, 2001) وغيره من الباحثين، هو ببساطة خط ساذج ويقوم على فكرة ساذجة، خاصة وأنه منذ ظهور تقرير Brandt أصبحت عدد من دول الجنوب الهامة والكبيرة بجغرافيتها تضاهي اقتصاديات العالم الشمالي، لدرجة أطلق عليها تعبير آخر مع نهاية القرن العشرين وهو " الدول الطافية" أو الدول البارزة "Emerging Countries" ، ولم تعد المفاهيم والصفات والملصقات التي تستخدم في " دول الشمال" قادرة على التأثير بسكان دول عالم
" الجنوب" ولا في قدرات أصحاب القرار في عدد كبير منها ، بل وبدأت دول الجنوب بتطوير أسواق وتكتلات سياسية اقتصادية هامة وكبيرة قادرة على مواجهة تكتل الشمال، وشارك عدد منها في تطوير التكنولوجيا الحديثة وتوليد الثروة عن طريق تصدير هذه التكنولوجيا والتعامل بشكل فعال ومريح مع دول الشمال.
وبقي خط الفصل ثابتاً ، وبقي أتباعه يحاولون التأكيد عليه وعلى أهميته مستخدمين أحياناً معايير غير اقتصادية لدفع دول الجنوب الواقعة جنوب هذا الخط للبقاء أسفله، وأظهرت عديد من دول الجنوب ليس فقط تطوراً في اقتصادها يزيد عن بعض من دول الشمال، بل عرفت في نفس الوقت ارتفاعاً في مؤشرات التنمية البشرية لديها مثل الأرجنتين، والتشيلي، والأورغواي ، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، قطر، والبحرين، والكويت، سلطنة عمان، تونس، وحققت هذه الدول بمؤشراتها ارتفاعاً يزيد عن مؤشرات روسيا وأوكرانيا ورومانيا ومعظم دول أوروبا الشرقية، وهي دول تابعة للشمال؟!
وتبدو العالمية "Mondialization" التي يجب تمييزها عن "Globlization" التي تعني بأبسط تعريف لها نمط الاتصالية ونوعيتها بين أجزاء العالم وبأنها الدينامية الفاعلة في التطور الاقتصادي ، غير قادرة على التغيير في المعايير والقيم المستخدمة لرسم خط الفصل بين الشمال والجنوب ويبدوا أنها لم تحرك ساكناً في تطوير مفاهيم عالم الشمال عن عالم الجنوب، وكأن أحداث العالمية والاتصالية المتطورة التي حولت العالم إلى قرية كبيرة غير قادرة على التفاعل مع منهجية التفكير الجيوسياسي الكلاسيكي لتغييره بشكل يسمح بالتعاون الفعال بين دول العالم لأغراض أساسية تكمن في تنمية وتطوير دول العالم الثالث أو كما أصبحت تسميتها فيما بعد الدول النامية.
وبالرغم من العالمية وبالرغم من قيام الصين، والهند ، والمكسيك، والبرازيل بالبرهنة على قدرتها في التعامل مع دول الشمال ومقارعتها، فقد بقيت تابعة للجنوب وبقي الغرب ممثلاً بدراساته ذات الفكر التقليدي الكلاسيكي غير المتناغم مع تطورات العالم الحقيقية، ينظر إلى هذه الدول التي تعتبر من طليعة دول البروز، بأنها من الدول النامية وبأنها بعيدة عن انتمائها حضارياً واقتصادياً وسياسياً إلى دول الشمال، فماذا يمثل هذا الخط؟
ويعتقد عدد كبير من المتخصصين في شؤون الجغرافيا السياسية بأن معايير هذا الخط القاطع والذي يتمسك به أصحاب القرار في الغرب ويقومون على حمايته بمفاهيم تدافع عنها دول الشمال لوحدها، بأنه لم يعد خطا يمثل الفروق في التطور، والاختلافات في التنمية الاقتصادية بين دول الشمال والجنوب، ولم تعد مجموعة المعايير الاقتصادية الأخرى قادرة عن الدفاع عن مساره الحالي، ويجب حتى نفهم المعنى الحقيقي لهذا الخط وبقائه أن نستخدم معايير أخرى تنتمي إلى تاريخ فلسفة الفكر السياسي لدول الشمال:
وفلسفة الفكر السياسي " لدول الشمال" تستند على تاريخ الفكر العسكري لها بين دول مسيطرة ودول خاضعة، وبين قوى مسيطرة ودول ضعيفة، بين دول تمتاز بالقدرة على التحرك ودول غير قادرة، ناهيكم عن أثر الفكر الاستعماري في صيانة هذه الفلسفة بين دول مستعمرة ودول قابلة أن تستعمر، وهذا الفكر يحدث نفسه اليوم وينفض الغبار عنه عندما نرى نشوء تشكيلات تحاول التبلور والتطور، لتصبح كيان سياسي فاعل على مستوى العالم كمجموعة الـ G7 من جهة ومجموعة الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
وأريد من خط الفصل بين الشمال والجنوب أن يكون خطأ مهيمناً ومؤثراً في تفكير "دول الشمال" وقائداً لخططهم المستقبلية في الحفاظ على السيطرة الجيوسراتيجية- الاقتصادية على " دول الجنوب" إن كانت فقيرة أم لا، وأريد به أن يكون شاملاً مبتعداً عن التفاصيل والتباينات والاختلافات لدول مجموعة الجنوب عن بعضها البعض، كما أريد له أن يكون خطأ شاملاً Global فارضاً نفسه كنمط فكري- سياسي، مؤثراً في ضمير البشرية خاصة بعد اكتشاف العالم الجديد وأصبح فاعلاً بعد انغماس أميركا في أوروبا وحروبها خاصة في القرن العشرين.
وهكذا نجد أن ظهور تقرير Brandt في عام 1980 لا يبدو قادراً على الإجابة على التساؤل البسيط والساذج عن ما هي دول الجنوب بقدر ما تكشف دوره لاحقاً في كونه خط فصل وخط مفصل في التاريخ والجغرافيا معا.
وبالنظر الى العلاقات السياسية المكانية للإنسان ونظرته إل المجال الجيوستراتيجي العالمي بعد تضاعف وتلاشي الصراع بين الغرب والشرق، تتأكد فكرة التقسيم الجديد بين الشمال والجنوب وتناميها متخذة كشعار قائد لها هذا الخط الفاصل والمتبلور في تقرير Brandt منذ عام 1980 الذي لم يعد مجرد تمثيل كارتوغرافي، بعد أن بدأت أطراف وأجزاء من هذا الخط ترسم بشكل مادي على سطح الأرض وتصبح علاماً دائماً لحماية " دول الشمال" ولبناء قلعتها لمجابهة دول الجنوب، ولا أدل على ذلك إلا خط الأسلاك الشائكة في شمال المغرب وجدار الفصل بين الولايات المتحدة والمكسيك وجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية... وأجزاء أخرى تبني بشبكات الدفاع الصاروخية غير المرئية، لتعبر عن تطور ستائر أخرى جديدة بعد الستار الحديدي مع نهاية القرن العشرين.
إذا أراد " الشمال" حماية نفسه بشتى أنواع الجدر والدفاعات التي انضمت إليها روسيا للمساعدة في التنفيذ ، فلابد لدول البروز التابعة "للجنوب" في المضي قدماً في لعب دور يوازي دول الرأس في مجموعة الشمال لتحفيز دول الجنوب وتطوير اقتصادها ولإبعادها عن الهيمنة الاقتصادية لدول الشمال، فأساسيات الاقتصاد الناجح لكل دولة في العالم يتمثل في إرادة التنفيذ المقرونة بإدارة العمل والتشغيل التي يجب أن تتوفر لعديد من دول الجنوب.
وستستطيع في يوم من الأيام أن تشكل دول الجنوب تحديا لدول الشمال، سيؤدي الى تغيير نمط العلاقات بين الشمال والجنوب من نمط الفوقية الى نمط الاحترام والتكامل، وهذا التحدي هو مفروض على دول الجنوب للقيام به وسيصبح حقيقة مع التطور المستدام للجنوب المقرون بالإدارة السوية:
المراجع:
- Bandt,w, (1980), Nord Sud: Un Programme de Survie, Rapport de la Commission indépendante sur les Problèmes de développement, Paris, Gallimard , 535 p.
- WHALEN, G(1959), Bilan de lannée1959, New York Times, 27.12.1959
- SCHMITT, C (2001), Le Nomos de la terre , Paris, P.u.f.
* أ.د. جهاد محمد قربة، عضو هيئة تدريس، جامعة أم القرى، كلية العلوم الاجتماعية، قسم الجغرافيا.
0
0
4.1K
2010-10-10 05:40 صباحًا